بعد الكارثة التي تعرّضت لها بيروت في الرابع من آب، يُفترض في اللبنانيين لوم انفسهم اوّلا. يُفترض في المسيحيين خصوصا استيعاب ان ما حلّ بمناطقهم في بيروت جاء نتيجة غياب الوعي السياسي لدى قسم كبير منهم. جعل غياب الوعي السياسي هؤلاء عاجزين عن استيعاب معنى توقّف العالم، العرب عموما وأوروبا وأميركا، عن التفريق بين لبنان كدولة ذات مؤسسات من جهة و»حزب الله» من جهة اخرى.
ثمّة ثمن لم يعرف رئيس الجمهورية ميشال عون وآخرون انّ على لبنان دفعه نتيجة دخوله في حلف عضوي مع «حزب الله» مع ما يعنيه ذلك من توفير غطاء مسيحي لسلاح الحزب. ليس اسهل من الدخول في حلف من هذا النوع من اجل الذهاب الى النهاية في لعبة الانتقام من الدروز والسنّة اللبنانيين ومن رفيق الحريري تحديدا، المعروف من اغتاله. ولكن ماذا عن الخروج من الحلف؟ هل هو في سهولة دخوله؟
مؤسف ان استعادة الوعي السياسي لدى قسم كبير من المسيحيين تأخّرت كثيرا. تأخرت استعادة الوعي الى درجة بات فيها مطروحا سؤال من نوع هل بقي للمسيحيين دور سياسي في لبنان في ضوء الضربة القاسية التي تلقاها جانب من الاقتصاد الذي عماده المسيحيون؟ كانت هناك ضربة في العمق لهذا الجانب المسيحي من الاقتصاد، خصوصا في مناطق الجمّيزة والمدوّر والصيفي والجعيتاوي والاشرفيّة. عرفت هذه المناطق والاحياء في العقود الثلاثة الأخيرة إيجاد موقع ثابت ومتميّز وخاص الى ابعد حدود وعلى صعد مختلفة مرتبطة بالازدهار وثقافة الحياة على الخريطة اللبنانية.
أوصل هذا الغياب في الوعي مرشّح «حزب الله» ميشال عون الى موقع رئيس الجمهورية. ما الذي يمكن للبنانيين توقّعه من عهد لا يمتلك أي فكرة عن النتائج التي ستترتب على تحوّل لبنان قاعدة صواريخ إيرانية؟
مرّة أخرى، على اللبنانيين لوم انفسهم اوّلا. لم يتعلّموا شيئا من تجارب الماضي القريب، لا من الغارة الإسرائيلية على مطار بيروت في 28 كانون الاوّل 1968 وتدمير مجموعة كوماندوس اسطول طائرات شركة «ميدل ايست» ولا من توقيع اتفاق القاهرة بعد احد عشر شهرا على الغارة الإسرائيلية…
لم يتعلّم اللبنانيون، لا من حروبهم الصغيرة ولا من حروب الآخرين على ارضهم، لم يوجد بينهم سوى قليلين جدا ادركوا في العام 1970 معنى وصول حافظ الأسد الى الحكم في سوريا وانتخابه رئيسا للجمهورية في شباط 1971 ووضعه السيطرة على لبنان هدفا من أهدافه الاستراتيجية بدءا بتدجينه للمسيحيين ثمّ للسنّة والدروز… وصولا الى الاستثمار في تحويل الفلسطينيين جزءا من الصراع الداخلي في لبنان. كان لدى حافظ الأسد مخططه الجهنّمي الذي اوصله الى جعل جيشه ينتشر في لبنان بغطاء عربي وبموجب اتفاق أميركي – إسرائيلي. حصل كلّ ذلك في غياب أي ادراك لدى معظم المسيحيين لحقيقة ما يجري في بلدهم وفي المنطقة.
في الإمكان الاستفاضة الى ما لا نهاية في سرد الأخطاء التي ارتكبها اللبنانيون جميعا، بدءا بتلك التي تخللت الاجتياح الإسرائيلي للبلد في 1982 وتصرّف بعضهم تجاه إسرائيل بصفة كونها جمعية خيرية… وصولا الى «حربي الإلغاء والتحرير» اللتين كان ميشال عون بطلهما في اثناء وجوده في بعبدا في 1989 و 1990. لا يمكن المرور مرور الكرام على حرب الجبل وتهجير المسيحيين منه، وهي حرب يتحمّل مسؤوليتها المسيحيون اوّلا. لكنّ يبقى انّ العقل المسيحي التبسيطي، لم يستطع ان يفهم يوما طبيعة النظام السوري الذي اورثه حافظ الأسد الى بشار الأسد في العام 2000. لم يفهم هذا العقل معنى دخول صدّام حسين الى الكويت في الثاني من آب من العام 1990 والنتائج التي ستترتب على ذلك. لم يجد هذا العقل التبسيطي، المعترض على اتفاق الطائف، صعوبة في التحالف مع «حزب الله» في شباط من السنة 2006.
مثل هذا العقل عاجز عن استيعاب ما سينتج عن حلف من هذا النوع لا مكان فيه سوى لاجندة ايران التي اخذت لبنان الى يوم 4 آب 2020. هذا يوم تاريخي، بالمعنى السلبي للكلمة، يوم تدمير ميناء بيروت والوسط التجاري الذي كان يجمع بين اللبنانيين. انّه أيضا يوم الضربة التي تلقاها المسيحيون والتي يخشى ان تكون ضربة قاضية، خصوصا ان ميشال عون وصهره جبران باسيل، يتصرّفان منذ 4 آب وحتّى بعد استقالة حكومة التفاهة برئاسة حسّان دياب، كأنّ شيئا لم يتغيّر في لبنان. يتصرّفان على طريقة تصرّف اميل لحّود بعد اغتيال رفيق الحريري وكلامه في مجلس الوزراء عن «رذالة» (بالاذن من الزميل سام منسّى الذي كان اوّل من اجرى هذه المقارنة مع عهد اميل لحّود).
عاجلا ام آجلا، ستتكشف حقيقة انفجار ميناء بيروت. ستتكشف النتائج البعيدة المدى للحدث. اقلّ ما يمكن قوله ان لبنان الذي عرفناه لم يعد قائما. ستكون هناك حاجة الى صيغة جديدة للبلد الذي لا يستطيع تحمّل ان يكون مجرّد دويلة في دولة «حزب الله» في ظلّ اتفاق مار مخايل للعام 2006، وهو اتفاق يبدو انّ هناك من يعتقد انّ مفعوله لا يزال ساريا… وسيوصل جبران باسيل الى رئاسة الجمهورية.
من اجل الوصول الى موقع رئيس الجمهورية، حمّل ميشال عون، بمعاونة جبران باسيل طبعا، لبنان عبئا لا يستطيع حمله باي شكل. آن أوان تفريغ هذا الحمل وتفكيكه. يحصل ذلك في وقت يبدو واضحا ان الحكومة الإسرائيلية الحالية، بتركيبتها القائمة، هي من النوع المستعد للذهاب بعيدا في استخدام أسلحة فتاكة جديدة في أماكن مختلفة على طول الخط الممتد من بيروت… الى طهران وغير طهران من مدن إيرانية.