في مثل هذه الايام يحلو للبنانيين التندر بمقولات السخرية والمزاح بشأن انسحاب اربعين الف جندي سوري في العام 2005 ودخول مليوني نازح في العام 2015 ومن شأن هذه المقاربة التي لا تمت الى الوقائع الموضوعية ان تجعل من هذا الحدث مجرد انسحاب ودخول بديلاً عن التطلع الى شعارات الحرية والسيادة والاستقلال الثاني التي اطلقوها فيما يسمى «ثورة الارز» المفترض ان تشكل انطلاقة صحيحة لتقويم الاعوجاج الذي كان قائماً والميزان غير العادل تجاه فئة من اللبنانيين وخصوصاً المسيحيين منهم والذين شكلوا رأس حربة في النضال من اجل سحب الوصاية عن رؤوس الجميع ولكن وفق واقع الحال، فان اوساطاً مسيحية معنية بما جرى ويجري لا ترى ان الفارق شاسع في التعامل مع المسيحيين من خلال شركائهم في الوطن الذين شكلوا مركز الدفاع الاول عن الوجود السوري واطلقوا عليه صفات الشرعي والضروري والمؤقت فيما اخوانهم في الوطن امعنوا فيهم اذلالاً وتهميشاً حتى هذه الايام.
وتشرح هذه الاوساط جملة من الوقائع الدامغة للدلالة على عدم وجود فروقات بين الوجود السوري ولغة اللعنة على المجتمع المسيحي التي حلت به من قبل اخوانه وفق التالي:
1ـ كان المسيحيون رواد الحركة الاستقلالية اقله خلال الوصاية من قبل العسكر السوري ونالوا العذابات من سجن ونفي وتنكيل ودفعوا ضريبة كبرى جراء تطلعهم نحو العيش بحرية ليس مع انفسهم فقط انما مع شركائهم في الوطن، انما العكس قد حصل بالتمام واستمرت الحقبة السورية والقبضة الحديدية ولكن بأيد لبنانية فتاكة لم تترك للمسيحيين خيارات واهدافا بفعل الاستهداف الدائم لهم في كافة الاصعدة السياسية.
2ـ لم ينفذ الشركاء في الوطن حسب هذه الاوساط بنود اتفاق الطائف الذي كان مرفوضاً من قبل المسيحيين وعمدوا الى تقبله مرغمين وبالرغم من هذا بدأ التطبيق بشكل استثنائي وانتقائي بحيث تم وضع الارادة المسيحية على الرف واستلم المسلمون بكل صراحة اجزاء السلطة بالتقاسم بديلاً عن مد اليد لبناء دولة عادلة يكون الجميع فيها سواسية وفق المناصفة والعمل المتوازن في كافة المجالات.
3ـ لم يرضَ قسم من اللبنانيين ووفق اتفاق الطائف الذي يتمتعون بمغانمه ان يقروا ان قانون انتخابي عادل يراعي التوازنات الطائفية واللبنانية بل على العكس فقد أصرّ هؤلاء على الاتيان بالنواب المسيحيين المطواعين الى جانبهم كي يستلموا دفة السلطة كاملة وبات النائب المسيحي مديناً لهم بالولاء وفق صمت مطبق حول المشاركة فيما النواب المسلمون وبأكثريتهم الساحقة يصلون الى المجلس النيابي بأصوات بيئتهم دون «جميلة» المسيحيين وهذا ما كسر التوازن في السلطات التشريعية والتنفيذية على حد سواء، وتنقل هذه الاوساط عن مصدر سياسي في الثامن من آذار انه مع خروج آخر دبابة سورية من لبنان توهم المسيحيون ان ازمتهم الحقيقية ربما قد انتهت ولكن بعد الانسحاب تيقن هؤلاء ان المشكلة الحقيقية تكمن في شركائهم الذين لامسوا التهميش نفسه بحقهم وبالاسلوب ذاته.
4ـ تلاحظ هذه الاوساط ان الكلام عن تهميش المسيحيين في ادارات الدولة والسلطة السياسية تتم مواجهته من الفريق الاخر على انه تعصب وانغلاق واتهام بالطائفية فيما لو مارس المسلمون هذه الوضعية لكان تم اعتبارها عملاً وطنياً بامتياز!! فيما حقيقة الامر ان رجال السياسة والقادة المسيحيين والبطاركة على مختلف مذاهبهم والذين ساعدوا بقوة على انسحاب السوريين لم يتم مجرد السماع لهم بحيث ذهبت بيانات مجلس المطارنة بالعشرات هباء وكأن لا صوت ينادي او يحذر من هذا التعامل بالفوقية وعدم الالتزام اقله بالمواثيق بالرغم من ان الاحزاب المسيحية مجتمعة كانت ترفع النداء وراء النداء الى حين الوصول الى الوضع الحالي حيث استفاق المسيحيون على واقع اقتراب الذوبان او الرحيل ما حصل في سوريا والعراق وفلسطين، وهذا الامر لم يأتِ بالضرر فقط على المجتمع المسيحي الذي ساهم ولو جزئياً تهميش نفسه انما على الوطن باكمله وعلى صيغة العيش المشترك وها هي الدولة مفككة الاوصال ومنهارة على كافة الا صعد وبالتالي لم يكن لبنان يوماً قد وصل الى هذا الدرك من الفساد والسرقة ونهب المال العام يضاف اليها المحسوبيات بحيث يتم استسهال توقيف موظف مسيحي او مرتكب من ادنى الدرجات فيما الدولة منهوبة والاسماء معروفة ولكن دون حساب وكل فضيحة تتم تغطيتها بفضيحة اخرى وحماية المرتكبين فقط لانهم غير مسيحيين!