Site icon IMLebanon

المسيحيون ضد الارهابيين ومع كل من يقاتلهم

لم يمرّ تنويه «الرابطة المارونيّة» في بيان لها يوم الجمعة الماضي بما وصفته «الخطاب الوطني الجامع» الذي ألقاه أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصر الله بمعرض توصيفه للإنجازات التي حقّقها «الحزب» في معركة جرود عرسال، مرور الكرام في أوساط «الرابطة» والأحزاب والشخصيّات السياسيّة المسيحيّة، خاصة وأنّ «الرابطة» رأت في بيانها أنّ «العمليّة العسكريّة في جرود عرسال شكّلت الخطوة الأبرز في حماية الحُدود الشرقيّة للبنان وفي منع الإرهاب من مُواصلة التسلّل إلى الأراضي اللبنانيّة حيث إرتكبت في السنوات الماضية جرائم بشعة بحقّ المدنيّين…»، وإنحنت «أمام الشهداء العسكريّين كما المدنيّين، وأمام كل شهيد سقط دفاعًا عن الأرض والشعب». فهل من تحوّل فعلي في مواقف «الرابطة» السياسيّة، ومن يقف خلف الحملة الإعلامية التي طالتها؟

مصادر قريبة من رئيس الرابطة المارونيّة النقيب أنطوان قليموس إستغربت الحملة الإعلاميّة التي إستهدفت «الرابطة» في الأيّام القليلة الماضية، خاصة على مواقع التواصل الإجتماعي، ورفضت كلّيًا الإتهامات التي سيقت بحقّها بأنّها خرجت عن التموضع التاريخي لموارنة لبنان، وأنّها خضعت لمنطق الدُويلة، مُعتبرة أنّ ما حصل يُمثّل إفتراء غير مُبرّر وتشويهًا للحقائق. ورأت المصادر نفسها أنّ الذين يُهاجمون «الرابطة» ورئيسها الذي كان في الماضي القريب أمينًا عامًا لحزب «الكتلة الوطنيّة»، والذي كان قد فاز بمركز رئاسة الرابطة بأغلبيّة 90 % من الأصوات، لم يقرأوا بيانها، أو ربّما إطلعوا عليه مُجتزأ، أو فسّروه وفق أهوائهم، مُشيرة إلى أنّ البيان محلّ الإنتقاد شدّد على ضرورة إستثمار الإنجازات التي تحقّقت في جرود عرسال «في بناء الدولة»، وعوّل على الجيش اللبناني للدفاع عن كرامة الوطن وسيادته ووحدة أراضيه. وتابعت المصادر أنّه كان من الطبيعي أيضًا أن ينحاز البيان إلى أبناء الوطن الذين يُقاتلون الإرهابيّين، وهذا تموضع طبيعي لا يجب أن يكون محلّ تردّد للحظة واحدة. وسأل المصدر: «هل يريد المُنتقدون أن نقف إلى جانب الإرهابيّين الذين هجّروا وقتلوا المسيحيّين في سوريا قبل سواهم، وقتلوا وذبحوا عسكريّي الجيش اللبناني، وأرسلوا السيارات المُفخّخة إلى المناطق الآمنة في لبنان»؟

وأضافت مصادر الرابطة أنّه إذا كان صحيحًا أنّ البعض لم يُعجبه مضمون البيان، وهذا حقّه، فإنّ الأصحّ أنّ إجماعًا كبيرًا ناله البيان قبل إصداره، علمًا أنّ هذا البيان محلّ إنتقاد البعض جاء ليُظهّر العديد من المواقف السياسيّة التي صدرت عن مسؤولين مسيحيّين حزبيّين، خاصة من «التيار الوطني الحُرّ» ومن «تيّار المردة»، ومن شخصيّات سياسيّة عدّة مشهود لها بفكرها السياسي العميق وبغيرتها على مصالح المسيحيّين. وتابعت أنّ تعليقات المُشتركين المسيحيّين في مواقع التواصل الإجتماعي إنحازت بأغلبيّتها وبشكل واضح إلى «الحزب» بوجه الإرهابيّين، ورأت في ذلك تموضعًا مسيحيًا طبيعيًا ضُدّ الإرهابيّين، وإلى جانب كل من يُقاتل هؤلاء، حيث رأى هؤلاء في حصريّة السلاح مسألة جدليّة قابلة للبحث في مرحلة لاحقة، بعكس الحالة الإرهابيّة على الحدود والتي من الضروري إستئصالها اليوم قبل الغدّ.

في المُقابل، رفض مصدر في «القوات اللبنانيّة» تحميل «القوّات» مسؤولية الحملة الإعلاميّة التي إستهدفت «الرابطة المارونيّة» أخيرًا، لأنّ «القوات» قادرة من خلال بياناتها ومسؤوليها على تظهير مواقفها بشكل علني وواضح. وإذ لفت بأنّ مُمثّل «القوات» في الرابطة المارونية، المُحامي جوزف نعمة، لم يُوافق على البيان لأنّه حمل دلالات سياسيّة ليست محلّ إجماع لا مسيحي ولا وطني، سأل: «هل بات التباين في وجهات النظر بشأن مُطلق أي مسألة ممنوعًا؟»، وأضاف: «هل بات تجميد العُضويّة لتوجيه رسالة إعتراض أمرًا محظورًا»؟. وتابع المصدر نفسه أنّ موقف «القوات» من معركة جرود عرسال واضح، وقد عبّر عنه الدكتور سمير جعجع شخصيًا، وهو يُختصر بأنّ لبنان سيستفيد إيجابًا من النتائج النهائيّة للمعركة، لكنّ هذا الأمر لا يعني إطلاقًا التخلّي عن مطلب حصريّة السلاح بيد الدولة والجيش اللبناني، ورفض الإقرار بأي دور لأي حزب أو ميليشيا في حماية لبنان. ورأى المصدر أنّ المعركة جاءت بتوقيت غير لبناني، ولأهداف مُرتبطة بإزالة الجيوب المُناهضة للمحور السوري – الإيراني ضمن نطاق «سوريا المفيدة» من أي وجود مُسلّح، إضافة إلى إستعادة أسرى وجثامين عائدة لحزب الله، وبالتالي لا داعي للمُغالاة في تمجيد هذه المعركة وليس من الحكمة وضعها في غير إطارها الحقيقي، على الرغم من الإقرار مرّة جديدة بحسنات إخلاء المنطقة الجُرديّة من أي وجود مُسلّح وإرهابي على الداخل اللبناني، خاصة على القرى الحُدودية الآمنة.

أوساط سياسيّة مُستقلّة لاحظت أنّ إنتقادات مُناصري «القوات» و»الكتائب» وغيرهما جاءت خافتة نسبيًا، خشية الظهور في موقع المُدافع عن الإرهابيّين، وهي تمحورت حول ضرورة عدم توريط «الرابطة المارونيّة» في مواقف سياسيّة مُنحازة، وفي صراع إقليمي عسكري وسياسي ومذهبي، وترك هذا الأمر للقوى الحزبيّة والسياسيّة المُختصّة، وكذلك حول ضرورة عدم التسليم بمنطق الدُويلة على حساب الدولة ودور الجيش الذي يجب أن يكون في الطليعة. وأضافت الأوساط السياسيّة المُستقلّة، أنّه في المُقابل، جاءت رُدود مُناصري «التيار الوطني الحُرّ» و»تيّار المردة» وغيرهما من القوى المسيحيّة لمُنتقدي بيان الرابطة أكثر علنيّة وجرأة، ومُتموضعة بشكل حاسم إلى جانب «حزب الله» في قتاله ضُدّ الإرهابيّين، ورافضة لزج مسألة حصريّة السلاح في توقيت مشبوه، وتحديدًا في خضم معركة مفتوحة على الإرهاب الذي يُهدّد كلّ اللبنانيين، وهو ما يُمكن إختصاره بالقول إنّ أغلبيّة المسيحيّين في لبنان هي ضُدّ الإرهابيّين، ومع كل من يُقاتل هؤلاء.