IMLebanon

المسيحيّون والمسلمون… بيْن «تطرّفيْن» «إسلام» لا «إسلامات» [2/3]

 

تواترت الأخبار بالأمس عن اختطاف «داعش» تسعين مواطناً سورياً مسيحيّاً آشورياً من قريتي تل شاميرام وتل هرمز الآشوريتين في محافظة الحسكة وإحراقهم لكنيسة تاريخيّة، وقبل أيامٍ اهتزّ وجداننا لمشهد سوق واحد وعشرون مصرياً قبطيّاً وذبحهم كنعاج، ومع هذا لا تحظى بالضوء الإعلامي أخباء ذبح «داعش» المئات من المسلمين من عشائر الأنبار على سبيل المثال لا الحصر، لأنّ المستفيد من «داعش» وجرائمها يحتاج إلى مشهديْن الأول تقديم نفسه كحامي مسيحيي الشرق، والثاني حاجة «الصُنّاع» الحقيقيين لـ»داعش» ـ وأعني هنا إيران تحديداً ومعها جماعة الإخوان المسلمين وأميركا ـ إلى فتنة تندلع في مصر يذبح المصريّون بعضهم البعض أقباطاً ومسلمين…

لا بُدّ من هذه التوطئة لأنّ «فورات» الغضب والتعصّب والجهل متى اجتمعت أعطتنا نموذجيْن، الأول كـ»خالد الضاهر» الذي تعامى عن وجود الكنائس والصلبان في العالم العربي قبل الإسلام وبعده، وثانٍ كـ»شربل خليل»، ويا «ويل» لبنان من هذيْن النموذجيْن…»داعش» في المشهد العربي والإسلامي تحديداً لحظة «مروّعة»، وهي مروّعة ليس لغرابتها عن مشاهد «توحّش» الإنسان عبر تاريخه، ولكن لظنّنا توهّماً أنّ البشريّة تجاوزت هذه الهمجيّة!!

لحظة التصادم بين «الأديان» التي نسميها تلطّفاً «الحضارات»، يتحدّث مطوّلاً عامّة المسلمين عن معاناة «أنبياء» الأديان كلّها، ويقرأون «أحسن القصص» في قرآنهم وفي أذهانهم أنّ هذه المعاناة انتهت، مع تسجيلنا أنّ المسيحيّة تؤّكد للمسيحيين أنّهم سيضطهدون بسبب السيد المسيح عليه السلام وأعنف حقبات هذا الاضطهاد كانت في حقبة الإمبراطورية الرومانيّة، وكذلك المسلمون يعلمون يقيناً أنهم «لهم في رسول الله أسوة حسنة»، ومع هذا تواجه الطرفيْن مرّات عديدة، تحاوروا حيناً وتقاتلوا حيناً، وما بين الحاليْن تصارعت مذاهب المسيحيّة فيما بينها أضعافاً مضاعفة، وباب الحوار بين هذه المذاهب أغلق في بيانٍ صدر عن الفاتيكان في تسعينات القرن الماضي، كما تواجهت فرق ومذاهب المسلمين فيما بينها وآذى بعضها بعضاً وكفّر بعضها بعضاً واضطهد بعضها بعضاً أكثر من اضطهاد المسيحيّة لهم… ومع هذا «يتقارب» الطرفان و»يتنافران» بحسب موازين القوى العسكريّة، أو إمساك المتطرفين من كلا الطرفيْن على زمام الأمر، إنسان يستضعف إنسان والعكس صحيح في استقواء واحدهما على الآخر.. وهذا «دأب» البشريّة عبر تاريخها، إن لم يكن بسبب الدّين فبسبب العرق أو القوميّة وهكذا،

في عامي الجامعي الثالث، تلقيتُ صدمتي الكبرى عندما درسنا «تاريخ الحضارة الأندلسية»، واجتهد أستاذ المادّة وهو من  طليعة المنظّرين لإيران الخميني آنذاك في العام 1987، كان «الشّادور» لا يتجاوز عدد الأصابع الخمسة كلّها في كليّة الآداب حينها، وكان جماعة حزب الله ضعافاً لا تسمع لهم صوتاً، مشغولون في التغلغل في جسد الجامعة اللبنانية، عبر شعار «حجابك أغلى من دمي»، وحرص أستاذ المادّة ـ رحمه الله ـ على الزجّ بنا في أتون الصراع «العربي ـ الفارسي» واضررتُ لخوض الصراع ومواجهته منذ ذلك الوقت ـ كانتْ محاضرته الأولى «السخرية» من العرب ناسباً كلامه للكاتب المصري أحمد أمين، وكانت هذه المواجهة الأولى معه، ولكن المشروع الإيراني كان أخطر وأبعد بكثير من الصراع العربي ـ الفارسي، حرص على تزويدنا بمقالة له ـ مجلّة العرفان ـ تحمل عنوان: «الأندلس ـ صراع النموذجيْن الحضاريّيْن»، هذا هو نموذج العداء الخميني الذي كان مقدّراً لنا أن ندرسه من وجهة نظرٍ خمينيّة كـ»صراع إسلامي ـ مسيحي» وكان واحداً من أبرز عناوين الأبحاث المطلوبة منا إعدادها في عزّ الحرب الأهليّة في لبنان، «صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى»، وكان البحث من نصيبي، ووجدتُ نفسي وجهاً لوجه أنا وإسلامي وصوفيّتي المتسامحة، أمام أبشع صورة للإسلام ونبيّه، ولكن؛ للحديث تتمّة.

 

*»وجدتُ أنّ مساحة تاريخ التطرّف المشترك، محتاجاً لمساحة أكثر ممّا ظنّنت، لذا؛ أستميحكم عذراً، في جزء ثالث لهذا العنوان».