Site icon IMLebanon

المسيحيون والضغط السعودي على لبنان

 

تزامن تدخل السعودية لترطيب الأجواء بين الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع مع اشتعال الخلاف بين السعودية وحزب الله. أي دور للمسيحيين في حل هذا الخلاف ونزع فتيل التوتر؟

يصبح الكلام عن علاقة السعودية بالقوى المسيحية دقيقاً في هذه المرحلة التي يتعرض فيها لبنانيون في دول الخليج لإجراءات إبعاد وترحيل. ويصبح أكثر دقة مع تعزيز الإجراءات الخليجية والسعودية، وخصوصاً ضد اللبنانيين الموالين لحزب الله، وحزب الله مباشرة، في وقت تختلف فيه نظرة اللبنانيين الى السعودية بين مدافع عنها ومعارض لها بشدة.

ولا يمكن الكلام عن علاقة السعودية مع القوى المسيحية، من دون الأخذ في الحسبان مثلاً الدور الذي أدّته الرياض أخيراً في تحسين العلاقة بين الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، منذ أن توترت على خلفية ترشيح الحريري رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، وما تبعه من إشكال 14 شباط.

إذ إن الرياض تدخلت مباشرة، عبر دوائرها الأساسية في السعودية، لترطيب الأجواء بين الطرفين، وبمونتها عليهما لتقريب وجهات النظر بينهما، وسعت مع الرجلين الى تأكيد ضرورة بقاء حلفهما ومنع تفاقم الخلاف حول الرئاسة. وفي وقت يظهر فيه الاهتمام السعودي بسحب كل عناصر التوتر بين الطرفين، تؤكد المعلومات أن السعودية، ودائماً بحسب دوائرها الرسمية، حريصة على الاستماع الى موقف حلفائها المسيحيين، وخصوصاً في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، المؤجل حتى الآن في رأيها، وهي لا تتعاطى به حالياً، وخصوصاً أنها مشغولة لبنانياً بالخلاف مع حزب الله. وهذا ما يجرّ الى الحديث عن علاقتها بالقوى المسيحية في هذا الظرف تحديداً.

فاذا كان طبيعياً أن تنقسم المواقف بين الأطراف السنّة المؤيدين للسعودية، وبين حزب الله المعارض لها بشدة، مع تحييد الرئيس نبيه بري لنفسه عن المشادات بين الطرفين، فإن وضع القوى المسيحية على اختلافها، المنضوية في 14 آذار أو 8 آذار والمقربة منها، يصبح تحت المجهر في ضوء حدة التجاذب والانعكاسات السلبية التي يمكن أن تنتج من تداعيات المواقف السعودية التصعيدية على لبنان، لأن الإجراءات الأخيرة، سواء لجهة الإبعاد أو التضييق، أو وقف الهبة للجيش ومنع الرعايا الخليجيين من المجيء إلى لبنان، تطاول لبنان كله، لا حزب الله وحده.

حتى الآن، حيّدت السعودية الأطراف المسيحيين عن الأزمة، وهذا التحييد ينطلق من ثابتتين: حصر التدابير الخليجية والسعودية حتى الآن في حق حزب الله والموالين له في دول الخليج؛ وعدم تصعيد اللهجة ضد التيار الوطني الحر أو تكتل التغيير والإصلاح، كجهة مسيحية، والاكتفاء بتركيز الانتقاد السعودي الرسمي على دور وزير الخارجية جبران باسيل في المؤتمرات العربية وتماهيه كفريق سياسي مع حزب الله.

فالسعودية، بحسب ما ينقل عن دوائر القرار فيها، تحرص على عدم إظهار موقفها على أنه استعداء لفريق مسيحي، في معركتها ضد حزب الله، أو التخلي عن حلفائها المسيحيين في أي أزمة داخلية، كما حصل في الخلاف بين المستقبل والقوات أخيراً. وبحسب معلومات هؤلاء، فإن ثمة حرصاً سعودياً على الحفاظ على المكون المسيحي اللبناني وسط الصراعات الإقليمية الدائرة حالياً، لا بل هي تحيط حرصها على هذه العلاقات مع القوى المسيحية بعناية شديدة، ولا سيما مع اشتداد موجة التنظيمات الأصولية وطغيانها في الدول المجاورة. وهذا الموقف هو امتداد لموقفها خلال الحرب الطويلة، إذ إنها حافظت على علاقتها بجميع الأطراف المسيحية وبقيت على علاقة جيدة مع الأحزاب المسيحية والأساسية منها بشكل خاص، وحرصت أكثر من مرة على إظهار خصومتها مع دمشق ونظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، في رؤيته وتعامله مع القيادات اللبنانية، وخصوصاً المسيحية. وهي ظلت مع مصر، على مواقف ثابتة في التواصل مع المؤسسات الرسمية ومع رئاسة الجمهورية. وإذا كانت الدوائر السعودية تذكّر دوماً بالمؤتمرات التي شاركت فيها للدفاع عن لبنان داخل لبنان وخارجه، ترى أن اتفاق الطائف هو الخلاصة الأساسية لموقفها من لبنان، رغم التحفظ السوري حينها، ولموقف جميع القوى التي دعمت الاتفاق، ولا سيما المسيحيين منهم.

هذه الإشكالية اليوم في النظرة الى علاقة السعودية بلبنان والمسيحيين فيه، بدأت تأخذ أبعاداً جديدة في ضوء العلاقات التي تربط السعودية بالقوى المسيحية، وخصوصاً ما بعد 2005. لا شك أن السعودية نسجت علاقة مع شخصيات من قوى 14 آذار المسيحية لم تكن يوماً من حلقة المقربين منها، وكذلك فإنها طورت كثيراً علاقتها مع القوات اللبنانية ورئيسها الدكتور سمير جعجع، علماً بأن علاقتها بحزب الكتائب قديمة. من هنا، برز قرار سعودي أبلغ الى جهات معنية أن الرياض لم تدعم تسوية باريس الحريرية، بل هي أيدت أي اتفاق يرضى عنه حلفاؤها المسيحيون، وحين تأكدت لها معارضتهم الشديدة للتسوية نأت بنفسها عنها كلياً.

وفي حين أعيد الاعتبار الى علاقة السعودية مع العماد ميشال عون، وخصوصاً في المرحلة التي كان فيها عون يتحاور مع الرئيس سعد الحريري، إلا أن العلاقة التي بدت في ظاهرها متدهورة على خلفية موقف باسيل من حزب الله في مؤتمر القاهرة، لم تجنح نحو مزيد من التأزم بين الطرفين، علماً بأن عون أبعد نفسه عن التجاذب مع السعودية، ولم ترتفع حدة الخلاف والكلام بين الطرفين، ما ساهم في حصر الأزمة وتداعياتها، من دون أن ننسى أن حزب الله حرّر عون من تبعة الخلاف بينه وبين السعودية، خلال خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، وكذلك فإن تفاهم عون وجعجع ساهم أيضاً في إطفاء نار أي تصعيد محتمل.

لكن الأزمة لا تزال في بداية الطريق، والخطوات السعودية تتجه الى مزيد من التصعيد، وما يحصل إقليمياً، ولا سيما في سوريا، يعطي مزيداً من الانطباعات بأن الوضع الداخلي مقبل على تشنجات إضافية في ما يتعلق برئاسة الجمهورية أو ارتدادات التدابير السعودية. وهذا الأمر كفيل بأن يضع القوى المسيحية على مفترق حساس، في السعي الى المفاضلة بين دعم الرياض أو دعم حزب الله وبين تحييد لبنان عن مسار العاصفة. واللحظات المصيرية الحالية لا تسمح لها بكثير من الارتخاء قبل المبادرة الفعلية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.