من غير الواضح بعد إذا كان يمكن القول ان سوريا تحررت، كما قال عدد من اللبنانيين، فسوريا التي سقط نظام بشار الأسد فيها، تُعتبر ساحة مفتوحة لكثير من الدول الراغبة بافتراسها، ليس اولها تركيا التي تخشى نشوء دولة كردية، ولا آخرها “إسرائيل” التي سيطرت على مناطق جديدة في الجنوب السوري، ولكن ما يعني لبنان بكل ما يجري هو كيفية انعكاس الأحداث السورية عليه.
قد يكون السؤال حول انعكاس ما يجري في سوريا على لبنان سؤالاً متشعباً وواسعاً، يحكمه بالدرجة الأولى المسار الذي تتجه إليه الأوضاع هناك، فأمام سوريا خياران: الأول هو البدء بالحل السياسي الذي تبنته اجتماعات الدوحة والدول العربية، والثاني هو الفوضى. فبحال كان الخيار الأول هو الطاغي، فإن التداعيات على لبنان ستكون سياسية، اما بحال كانت الفوضى فسيتأثر لبنان حكماً بتداعيات تستهدف استقراره وأمنه.
ولكن لأن التداعيات الكبيرة لاحداث سوريا، تنطلق من تبدل موازين القوى السياسية، وربما الاتجاه نحو التبدل الجغرافي أيضاً، مع بروز حديث عن التقسيم في سوريا، يجب بحسب مصادر سياسية مطلعة التركيز على الأقليات في لبنان، فبعد موجة الفرح بسقوط النظام عند البعض، والحزن عند البعض الآخر، لا بد من الغوص بمستقبل لبنان ومستقبل الأقليات فيه، لا سيما الشيعة والمسيحيين.
تعرض الشيعة في لبنان إلى حرب ضروس لمدة تزيد على عام، وانتهت بتعرضهم إلى ضربات قاسية أفقدتهم السيد حسن نصرالله وجزءا من قوة مقاومتهم، ثم استمرت الحرب عليهم في سوريا من خلال قطع طريق الإمداد الذي يربط إيران بلبنان، ففقدت المقاومة عمقها الاستراتيجي، وخسرت سوريا التي ناضلت لأجلها 13 عاماً، وهذا لا بد سيكون له تأثير في هذا المكون اللبناني الأساسي.
بحسب المصادر فإن أحداث سوريا بحال اتجهت إلى الفوضى، وبروز كيانات دينية متطرفة، فإن الشيعة في لبنان سيكونون هدفاً لكيانات كهذه، وبالتالي فإنهم معرضون إلى دخول معارك جديدة قد تُفرض عليهم، وعندئذ يكون مستقبل لبنان بأكمله في مهب الريح، أما بحال كان التوجه نحو السياسة، فإن الشيعة في لبنان أمام امتحان جدي يتعلق بكيفية تأقلم حزب الله مع الوقائع الجديدة، وكيفية مواءمة ما جرى مع مستقبله كحزب مقاوم ، تأسس لأجل مقاومة “إسرائيل”.
وترى المصادر أن الفريق الثاني الذي يعيش لحظة وجودية تاريخية هو الفريق المسيحي، فالمسيحيون في المنطقة سبق وأن عاشوا تجارب مشابهة لما يعيشه المسيحيون في لبنان اليوم وبعد انتهاء الحرب الأهلية، ولم يبق للمسيحيين من وجود فاعل سوى في لبنان، بعد أحداث العراق ومن بعدها سوريا، وبالتالي هم أمام تحد وجوديّ أيضاً، يتحدد شكله بعد وضوح صورة ما يجري في سوريا.
بالنسبة إلى المصادر إن القلق على المسيحيين سيكون كبيراً بحال تم تقسيم سوريا إلى دول طائفية ومذهبية، أو بحال اندلعت الفوضى المسلحة في سوريا بين مكونات المعارضة، فأي ضرر للبنان سينعكس سلباً على وجودهم، لأن تداعيات تقسيم كهذا عادة ما تكون على حساب الأقليات، وفي المنطقة يعتبر المسيحيون من الأقليات كما الشيعة أيضاً، أما في السياسة فترى المصادر أن مشكلة المسيحيين ستكون كبيرة بحال قرروا أو قررت فئة كبيرة منهم خوض الحرب السياسية على الشيعة وحزب الله.
وترى المصادر أن مصلحة المسيحيين كما مصلحة الشيعة في لبنان الجلوس معاً، طبعاً إلى جانب المكونات الاخرى، لا ان يكونوا في جهتين مختلفتين، لأن الخلاف سيؤذي الطرفين معاً، ولا مصلحة لأي مكون بمعاداة الطرف الآخر والإمعان في ضربه، لأن ذلك من شأنه أن يُشعل لبنان من الداخل أو انطلاقاً من الأحداث السورية.