شكّل انتخاب رئيس جديد للجمهورية خطوة إيجابية أراحت اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، وتردّدت في كل أرجاء الوطن الصغير.
لا شكّ في أنّ الظروف التي أنتجَت الحلّ الرئاسي السريع والتي قضت بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية لم تنكشف كل خيوطها الإقليمية والدولية والداخلية بعد، على رغم أنّ عمر الفراغ طال وامتدّ لسنتين ونصف سنة.
إنتظر الجميع رئيس الجمهورية، بعد ضياع الآمال، حتّى انّ البعض ذهب الى حدّ القول إنّه لم يعد هناك رؤساء جمهورية موارنة في لبنان، فيما شكل الحكم الجديد كان ينتظر مؤتمراً تأسيسياً لا يدري احد كيف سيتمّ إخراجه وكم سيأخذ من حصة الموارنة والمسيحيين في الدولة.
كثيرة هي الخضّات التي تعرّضت لها رئاسة الجمهورية، فمن الثورات والإنتفاضات والمقاطعات لعهد الرؤساء الى الفراغ الذي وقع للمرة الثالثة بعد الإستقلال وصولاً الى انحدار الدور الماروني، كلّها محطّات أثّرت في صورة لبنان وهويته، لتعود فجأة هذه الصورة في لحظة إقليمية قلّ نظيرها، وتنتج الحلول المستعصية وتحطّ رحالها في قصر بعبدا الذي عادت نافورة مياهه الى العمل، ورفع العلم اللبناني مجدّداً على ساريته.
قد تكون صورة وفد المطارنة الموارنة في بعبدا طبيعيّة جدّاً، وتأتي في إطار تهنئة عون بانتخابه، لكنّ المعاني والرسائل منها كثيرة، وسط الأسئلة عن السبب الذي دفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى إرسال المطارنة وعدم حضوره شخصياً.
في العُرف الكنسي، إنّ إيفاد بطريرك الموارنة اكثر من 3 مطارنة لتقديم التهنئة يعني انّ الكنيسة المارونية أرسلت أرفع وفد، خصوصاً انّ هذا الوفد ضمّ مطارنة من كل المناطق، ما يدلّ على رضى شعبي ومناطقي ماروني عام على هذا الحدث. أمّا العرف الثاني فيتمثّل في أنّ الرئيس المنتخب يزور بكركي ويلتقي البطريرك الماروني لأخذ بركته، بينما البطريرك يزور بعبدا لاحقاً.
قد تكون الأخطار الأمنية التي تحوط بعون كثيرة، ومن المعروف أنّ الراعي يكسر كلّ الأعراف والتقاليد، لذلك من غير المستبعد ان يزور بعبدا لتقديم التهنئة، خصوصاً أنه كان من أشدّ المطالبين بانتخاب رئيس للجمهورية.
في اجتماع مجلس المطارنة الموارنة أمس، قال الراعي كلاماً واضحاً ومباركاً للعهد الجديد، وأكّد أنّ الأمور عادت الى سكّتها الصحيحة، ومجرّد انتخاب رئيس للجمهورية يعني أنّ الدولة عادت الى عملها بمقدار كبير وسط الآمال الكبيرة المعلّقة على العهد الجديد.
وقد أجمع المطارنة على الترحيب بهذه الخطوة الإنقاذية، خصوصاً أنّ هناك بيانات في مراحل سابقة كانت تُكتَب وتُمحى أكثر من مرّة، لأنها تتضمن عبارات تهوّل على الليرة والوضع الإقتصادي والنقدي وإثارة مزيد من المخاوف لدى المواطنين.
لم يقتصر الترحيب بانتخاب عون على بكركي، بل شَمل كل الكنائس المشرقية، وبما أنّ عودة المسيحيين الى الحكم باتت أكثر من ضرورية، وعلى رغم أنّ انتخاب عون يعتبر بداية الطريق، لكنّ الأهم هو تأليف الحكومة ومشاركة القوى الممثلة للشعب، وإقرار قانون إنتخابي عادل.
عاد عون الى قصر بعبدا مُنتقماً لماض طويل، ومنتصراً لـ»المظلومية السياسية» التي أدّت الى نفيه ومن ثمّ الى سجن الدكتور سمير جعجع، وشهدت كل بلدة ومدينة إحتفالاً ترحيبياً بالمستقبل السياسي الآتي. وقد يشكّل انتخاب عون عودة مسيحيّة حتمية الى النظام، لكنّ هذا لا يعني إعادة إحياء «المارونية السياسية»، فالعوامل التي ساعدت على وصوله هي دخول قوى سياسية جديدة الى طاولة الحكم.
في السابق، ومنذ عام 1990، كانت القوى الأساسية الحاكمة هي تيار «المستقبل»، الحزب التقدّمي الإشتراكي، حركة «امل»، فيما أنتجت الإنتخابات الرئاسية واقعاً جديداً تمثّل بدخول «التيار الوطني الحرّ»، «القوّات اللبنانية» و»حزب الله» شركاء أساسيين في لعبة السلطة. وبالتالي، انّ كل هذه التطورات كفيلة بالتأكيد أنّ البلد لا يُحكَم إلّا بالشراكة، والعهد الجديد أكبر دليل على ذلك.