يستحق الكلام الذي أعلنه الرئيس السابق ميشال سليمان في ملف الإستحقاق الرئاسي التوقف عنده، فالرجل خرج من القصر الجمهوري منذ أشهر قليلة في مناخٍ تكررت فيه مقولة أنه قد يكون آخر رئيس ماروني في هذه الجمهورية، وهو تولى إدارة زمام الحكم في لحظاتٍ حساسة ومصيرية ومفصلية، وسهر على تطبيق الدستور وتفعيل عمل المؤسسات السياسية. وللتذكير، هو الرئيس الذي إنتخب بإجماع اللبنانيين بعد إتفاق الدوحة الشهير ().
فالرئيس سليمان قال ما حرفيته: «إذا كان المسيحيون مسرورين بفكرة أنهم هم من يقع على عاتقهم إختيار الرئيس فهم حتماً مخطئون في حساباتهم«، معتبراً أن رئيس الجمهورية هو رئيس لكل لبنان وليس رئيساً للمسيحيين فقط، ولذلك هو من يُقسم اليمين الدستورية بينما لا يقوم بذلك رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة«، وتابع وجهة نظره شارحاً: «الرئيس الذي يؤيده المسلمون وغيرهم من المواطنين من مختلف الطوائف أفضل من رئيس يؤيده جزء كبير من المسيحيين فقط«، مؤكداً أن «أكثر من يتضرر من معادلة رمي كرة الرئاسة في ملعب المسيحيين هم المسيحيون أنفسهم«.
لا يُصنّف هذا الموقف من المواقف العابرة بل يجدر بكل القوى السياسية التوقف عنده ملياً خصوصاً أنه صادر عن رئيس سابق للجمهورية. فالبعد الوطني المطلوب إضفاؤه مجدداً على الملف الرئاسي هو المدخل الصحيح للخروج من حالة المراوحة ووضع حدٍ لحالة الشغور التي إستطالت. طبعاً، من الضروري هنا المسارعة للتوضيح أن إعادة إشراك القوى غير المسيحية لا يعني قطعاً تهميش الرأي المسيحي في الإستحقاق أو إقصاءه من خلال صفقات تُصنع في حديقتهم الخلفية.
إنطلاقاً من هذه القاعدة، فإن الرئيس المنتخب بأوسع مروحة من التفاهم المسيحي- الإسلامي يملك حصانة تخوله تحقيق منجزات هامة خلال عهده على عكس الرئيس الذي إختير حصراً من أبناء طائفته أو مذهبه. فالسباق الرئاسي لا يمكن أن يماثل السباق النيابي أو البلدي.
لقد بينت خارطة توزيع القوى السياسية في مجلس النواب عدم إمتلاك أي فريق سياسي وحده القدرة على إنتخاب الرئيس دون التفاهم مع الآخرين. كما أن حركة التعطيل التي مورست خلال الجلسات المتتالية لانتخاب الرئيس لم تجد نفعاً بدورها. أما فرصة تبلور الاتفاق المسيحي- المسيحي على الرئيس أخذت قسطها من الوقت ولم تحرز تقدماً كذلك الأمر وهذا يحتم إعادة النقاش الرئاسي إلى الدائرة الوطنية وإخراجه من المربع المسيحي.
في مجال آخر، يستوجب الشغور الرئاسي طرح جملةٍ من الأسئلة: هل هو يصب في مصلحة المسيحيين فعلاً؟ أليس إضطرار مجلس الوزراء لإستنباط الآليات تلو الآليات لتفعيل عمله يعطي إشارةً ما في مكانٍ ما أن البلد قادر على التعايش مع الشغور وبالتالي ليس هناك من ضرورة للاسراع في إنتخاب الرئيس الجديد طالما أن الأمور تسير على ما يرام؟ أليس في ذلك تجاوز لأعراف وأصول وخلقٍ لأعراف وأصول جديدة، وهل من مصلحة مسيحية في ذلك؟
قد يقول قارئ هذا المقال: ما بال فلان يعظ المسيحيين ويعطيهم دروساً في ما يعرفونه. الهدف الوحيد من طرح هذه الأفكار هي إعادة تحريك المياه الراكدة للوصول في أسرع وقتٍ ممكن لانتخاب رئيس يعبر عن تطلعات القسم الأكبر من اللبنانيين ويعطيهم فرصة متجددة في مشروع بناء الدولة وقد طال إنتظاره. بالتأكيد ليس الهدف إطلاقاً سرقة دور أو أحلام مجموعاتٍ من اللبنانيين.
لقد آن الأوان لوقفة ضمير لهدم هذا الجدار السميك.
() مفوض الاعلام في الحزب «التقدمي الاشتراكي»