ذاكرة الموارنة.. و«لعنة» اجتياح بكركي
المسيحيون وثمن التسوية.. وصلاحيات الرئاسة
يعتقد كثير من المسيحيين، وغالبية الأساقفة ورجال الدين الموارنة، ان المسيحيين دفعوا أغلى ثمن لاتفاق الطائف، وما زالوا يدفعون بعد نحو ربع قرن على إقراره. يذهب بعضهم الى أبعد من ذلك. يعتبرون ان «لعنة ما حلت عليهم». وهو ما يعزوه أسقف ماروني، الى «ليلة الخامس من تشرين المشؤومة، حيث اجتاح بعض الغوغائيين بكركي واستباحوها واعتدوا على سيدها بالتطاول اللفظي والجسدي. يومها حلت لعنة ما على الموارنة الذين دنسوا بطريركيتهم وبطريركاً سيذكره التاريخ بأحرف من نور، وهي لعنة ترافقهم الى اليوم». يضيف «كان هذا الثمن الاول، دفعه البطريرك نصرالله صفير، ومعه وخلفه المسيحيون الذين آمنوا بوجوب التعايش بين اللبنانيين وحل ازماتهم في اجواء من السلام والتآخي».
يتذكر ان البطريرك بشارة الراعي، الذي كان أسقفاً يومها، ما عاد قادراً على تحمل المشهد المهين فلجأ دامعاً الى الكنيسة. ويضيف مستطرداً «هل كان يبكي المس برمز كنيسته وأبيها وبطريركها فقط، أم كان يبكي بلداً أضاعه ابناؤه مع ما اضاعوه من قيم؟».
يضيف «اليوم، وبعد نحو 25 عاماً، لا تزال اللعنة ترافقنا. فلا الطائف انجز ما كان يفترض ان ينجزه، ولا اللبنانيون استفادوا من التوافق والغطاء الدولي الذي أمّنه لهم ليعيدوا بناء دولتهم ووطنهم».
لم يوافق اي من المسؤولين المسيحيين على الطائف باعتباره حلا. في احسن الاحوال كان «مدخلا الى الحل»، على ما يقول مؤيدوه يومها. وليس تفصيلا ثانوياً ان يكون النواب الثلاثة الذين عارضوا الاتفاق هم ريمون إده، ألبير مخيبر وإميل روحانا صقر مع «ثقلهم» المسيحي. كما عارضه ابرز زعمائهم يومها: ميشال عون، امين الجميّل وداني شمعون. اخذ البطريرك صفير الطائف بصدره. تلطت «القوات اللبنانية» تحت عباءته ضاربة بسيف الطائف، لتطيح من خلاله أبرز خصومها: ميشال عون.
لكن، بعيداً من التباكي على امتيازات اهدرت وحقوق تم التنازل عنها، تكفي استعادة بسيطة لتلك المرحلة لمعرفة حجم الانهيار الذي كان يعيشه المسيحيون. مناطقهم مدمرة بعد اقتتال مرعب سقط فيه الأخوة على جبهتي قتال عون – جعجع، او ما سمي «حرب الإلغاء». الهجرة بلغت مستويات غير مسبوقة. الشلل يطال المؤسسات. الشبان عاطلون عن العمل وحتى عن حرية التنقل. المدارس والجامعات مشلولة كما أن الطرق مقطوعة. كان الوضع مأساوياً بكل معنى الكلمة. لبنان الذي عرفه المسيحيون كان انتهى قبل الطائف، فجاء الأخير ليعلن وفاته رسمياً.
أمّن البطريرك صفير الغطاء للطائف، وكان يعرف انه ليس الحل الافضل. اعتبر أن أي تنازل من قبل المسيحيين هو لمصلحة لبنان وليس لمصلحة طائفة او فئة اخرى. ظل صفير على قناعته برغم «سوء تطبيق الطائف او عدم تطبيق بعض بنوده». وواصل المطالبة بتحسينه وتطويره وفق مقتضيات الحاجة والممارسة.
لكن لا الطائف طبق ولا ممارسة بعض تطبيقاته كانت ناجحة. وهكذا يواصل المسيحيون اليوم انتقاد الطائف. تارة يدعون الى تحسينه وتطويره، وطوراً يعتبرونه أدى قسطه للعلى ويجب طويه وفتح صفحة جديدة.
يعترض نواب مسيحيون على «بعض المواد الواردة في الطائف والتي تحكم العلاقة بين المؤسسات ويتم من خلالها إدارة البلد. ففي بعض هذه البنود غموض غير بناء، وفي بعضها الآخر التباس يحتمل الاجتهادات، كما تغيب الآليات المفترضة لحسم الخلافات». ويبقى الاعتراض الأبرز على صلاحيات رئيس الجمهورية التي يتوافق النواب المسيحيون على «عدم الرغبة باستعادتها كما كانت، إنما إعطاءه بعضاً من صلاحيات الحكم الفعلي القادر على حل النزاعات، بما يتوافق مع المصلحة العليا الوطنية». ويقول احد نواب «تكتل التغيير والاصلاح» إن «الهدف من تعديل او تطوير الطائف ليس انتزاع صلاحيات من أحد، إنما إعادة التوازن الى كل مكونات البلد الطائفية. فلا يمكن، بعد 25 عاماً على إقرار الطائف ان يبقى فريق يشعر بالغبن ربما من سوء التفسير او سوء التطبيق.. او حتى سوء النيات. يحتاج الموضوع الى حل في توقيت مناسب».