بدأ المسيحيون يخسرون وجودهم الجسدي والثقافي والتغييري في العالم العربي، ويفقدون دورهم الكبير في هذه الارض التي كانوا الاوائل في انمائها ونهضتها، وفي اطلاق تيارات الحرية والديموقراطية في ارجائها المترامية الاطراف، عندما يبدأون باعتبار انفسهم «جالية» دخيلة على هذا العالم، الذي لا يمكن تسميته بالعالم العربي، من دون وجود مسيحي متجذر فيه منذ آلاف الاعوام، والا كانوا أسموه «العالم الاسلامي»، وليس العربي، لأن الوجود المسيحي الكثيف الذي شمل دول مصر والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان، وتمدد الى العديد من الدول الاخرى، مثل الجزائر وتونس والمغرب والاردن وبعض دول الخليج، هو الذي اعطى للقومية العربية مضمونها المشرقي كحاضنة لمختلف الطوائف والمذاهب، وحملها الى الغرب كقومية غنية بفكرها وأدبها وثقافتها وانفتاحها على كل حداثة.
ومن المؤكد ان الانظمة الديكتاتورية الاحادية العسكرية التي سيطرت على الحكم في بعض الدول العربية، ولعبت لعبة الاقليات والاكثريات لتثبيت وجودها، كانت اول المتآمرين على القومية العربية، وفتحت الابواب واسعة امام تنظيمات التكفير والجهل، لتكمل ما بدأته هذه الانظمة من تدمير لكل معلم من معالم القومية العربية ومكوناتها الدينية، وتراثها الحافل بالكثير من الايجابيات، والحق يقال ان الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية، لم تقصّر في دعم الدكتاتوريين ولا في دعم التكفيريين، وهي تتحمل قسطاً مهماً في تفريغ العالم العربي من اهله المسيحيين، بحيث ان ملايين المسيحيين الذين طردوا من ارضهم وبيوتهم في دول العراق وفلسطين وسوريا ولبنان ومصر على يد الانظمة القاتلة او على يد التنظيمات الذابحة، هم اكثر بكثير من عددهم في اوطانهم الأم، ولكن العرب المسلمين المؤمنين بالقومية العربية، يبكون اليوم اخوتهم المسيحيين، ويكيلون لهم مقالات المديح وقصائد الاشتياق، على ما كتبه انعام كجه جي في جريدة الشرق الاوسط، خصوصا في العراق، وكأن هؤلاء اكتشفوا اليوم الخسارة الكبيرة بهجرة اكثر من مليون عراقي مسيحي، كانوا نخبة في الطب والهندسة والادب والمحاماة والتجارة والصناعة، واكثر ما آلم المسيحيين العراقيين ودفعهم الى ترك اوطانهم، الخطاب الرسمي الذي اعلنه رئيس الحكومة السابق نورالمالكي، واعتبر فيه ان المسيحيين «جالية» وليس مواطنين.
في البيان الختامي لقمة كمب دايفيد التي جمعت قادة الخليج العربي، بالرئيس الاميركي باراك اوباما، تعهد اميركي بحماية دول الخليج من اي اعتداء.. اين كان هذا التعهد عندما كان المسيحيون يذبحون؟!