Site icon IMLebanon

«المسيحيون ضمانة الاعتدال في الشرق».. هل ما يحصل يخدم هذا القول؟

يمكن القول إن ما حدث في الانتخابات البلدية في بيروت وزحلة والتي قال فيها «عون» يجب أن «تعم كل لبنان».. هو عودة بلبنان إلى مناخ تقوقعي جديد يهدف إلى تسويق «القانون الانتخابي» الذي يتمسك به، وهو أن كل «طائفة» تنتخب نوابها، وفي ما بعد تُسمي وزراءها.. أي إلى تكريس ما يُمكن أن يُسمى بـ»فيدرالية الطوائف» أي الدفع نحو «لبنان الفيدرالي» الذي كان غاية «الجبهة اللبنانية» ١٩٧٥ – ١٩٨٢ وحتى ما بعد بأطراف جديدة حتى تشرين الأول ١٩٨٩..

وهي الجبهة التي تكوّنت من «كميل شمعون»، «الأحرار»، بيار الجميل «الكتائب» الرهبانيات المارونية «الآباتي بولس نعمان»، ثم «حراس الأرز» وحاولت أن يكون رئيس الجمهورية «سليمان فرنجية» الجد معهم، وانسحب منها بعد «ميثاق دمشق» ١٤-٢-١٩٧٦ الذي صاغه مع رئيس الحكومة آنذاك «الأفندي رشيد كرامي»، واغتالته «قوى الظلام» لأنه جاء تعبيراً عن «الاعتدال والوسطية والحوار الايجابي» فاغتالوه حتى لا تقف «الحرب القذرة» بمجازرها على الأرض اللبنانية، وهو الذي اتخذ في ما بعد مسودّة لـ»ميثاق الطائف» ١٩٨٩..

إن ما حدث في انتخابات بيروت البلدية وزحلة «التي يريد عون أن تعم لبنان» هو «استنساخ» والعودة إلى مناخات ١٩٧٥ – ١٩٧٦ على أساس أن «الدولة المركبة، هي الصيغة الأمثل لتآلف أقليات تحافظ على شخصيتها الأساسية وسماتها الخاصة ضمن توازن يكمل للجميع الحرية والشعور بالإطمئنان إلى المصير» لأن الاتجاه الوحدوي هدّم ذات لبنان السياسية، وهدّم ذات لبنان الحضارية والثقافية، ورفض غنى لبنان الناجم عن تعدد بنيته الحضارية والدينية والاثنية» – انظر سلسلة القضية اللبنانية رقم ١٢ حزيران ١٩٧٦ ص.ص ١٦ و١٧-.

وفي هذا السياق، أي في الدعوة إلى «لبنان الفيدرالي» جاء في «اجتماع مدني – روحي عام» عُقد في ٢٣-١-١٩٧٧، وذلك للتأكيد على: «اعتماد تعددية المجتمع اللبناني بتراثها – بحسب بيان الاجتماع – وحضارتها الأصيلة، أساساً في البنيان السياسي الجديد للبنان الموحّد، تعزيزاً للولاء المطلق له، منعاً للتصادم بين اللبنانيين، بحيث ترعى كل مجموعة حضارية فيه جميع شؤونها، وبخاصة ما تعلق منها بالحرية والشؤون الثقافية، والتربوية، والمالية، والعدالة الاجتماعية، وعلاقاتها الثقافية والروحية مع الخارج وفقاً لخياراتها الخاصة».

كما جاء في «القضية اللبنانية» رقم ٢٠ شباط ١٩٧٧ ص.ص ٤٦ الى ٥٩ ما يلي: «المطلوب هو اعادة تجميع اللبنانيين بصيغة تضمن وحدته، وتحقق مشاركة كاملة بالحكم، وتطمئن اللبنانيين الخائفين من طغيان الأكثرية العددية المؤيدة من الجوار، على كيانهم وثقافتهم وحضارتهم، وقد يتساءل المرء هل توجد هذه الصيغة العجائبية التي تحل مشاكلنا دفعة واحدة؟ والجواب أنها موجودة وقد مارستها أمم راقية ومتقدمة تتشابه أوضاعنا مع أوضاعها، وهي الصيغة الاتحادية الفيدرالية.. والفيدرالية توحِّد ولا تُقسِّم، أي إنها ليست مترادفة للتقسيم، ولبنان ليس صغيراً بالمساحة لأن يتّسع لأقاليم محلية مستقة، كما أن الشعب اللبناني ناضج ويستحق لأن يحكم نفسه بنفسه في أقاليم محلية صغيرة.. ورقابة المواطنين في الحكم المحلي على الانفاق العام هي أشد وأقوى»..

ثم كان انقلاب ٦-١١-١٩٨٩ من قبل «عون» يومها على «الميثاقية الوطنية»، وعلى انتخاب الرئيس الراحل «رينيه معوض» كأول رئيس لـ»الجمهورية الثالثة» الذي اغتالته «قوى الظلام» في ٢٢-١١-١٩٨٩ هو من أجل «عودة ما كان إلى ما كان» قبل ١٤-٢-١٩٧٦ وما بعد اغتيال «ميثاق دمشق» بهدف اغتيال «ميثاق الطائف» الذي كان أقوى من صاحب الانقلاب الذي طرده الجيش اللبناني من «قصر بعبدا» في ١٣-١٠-١٩٩٠ بعدما عدّل «نواب لبنان» دستور ١٩٢٦ المعدّل في ١١-١١-١٩٤٣ بـ»القانون الدستوري» الصادر عن «مجلس النواب اللبناني» في ٢١-٩-١٩٩٠..

إن ما حصل في انتخابات بيروت البلدية وزحلة – وتحديداً بيروت – الذي مهّد له بسياسة «النأي بالنفس» هو لـ»الانقلاب» على «القانون الدستوري ٢١-٩-١٩٩٠، والدفع نحو «اتفاق إقليمي جديد» لـ»لبنان الفيدرالي» الذي يسوقون له عبر «الجبهة اللبنانية الجديدة».

صحيح أن «لبنان الواحد لا اللبنانان» – رحمك الله تعالى يا «صائب بك سلام» يعيش ويستمر على خيارات أبنائه دون سواهم؛ وأن لبنان لا يُحكم إلا بالتوافق. وان لبنان لم يكن يوماً بلون سياسي أو حزبي او طائفي أو مذهبي واحد.. ولكن وهذا ما يذكرني بما قاله غبطة البطريرك الماروني «مار بشارة بطرس الراعي» في محاضرته في البرلمان الأوروبي ببروكسل بأن «المسيحيين في الشرق الأوسط هم ضمانة الاعتدال في المنطقة بعد صعود الأصولية الإسلامية (لا أصولية في الإسلام) ونمو المنظمات الإرهابية يهدّدان بمحو الاعتدال الإسلامي»..!

وأسأل هل ما جرى في انتخابات بلدية بيروت وعودة ما كان إلى ما كان في لبنان ١٩٧٥ – ١٩٧٦ تحديداً وحتى ١٩٨٩ هو لصالح «الاعتدال المسيحي» أو «الاعتدال الإسلامي» أم أنه لاغتيال هذا « الاعتدال الإسلامي» أولا؟ ثم «الاعتدال المسيحي»؟

سؤال لست بحاجة إلى أن أجيب أنا عليه..