دول ما يسمّى بالهلال الخصيب، وهي العراق، وسوريا، وفلسطين، والاردن، ولبنان، كانت في السنوات الماضية تضمّ اكبر كتلة من المسيحيين في منطقة الشرق الاوسط، بعد المسيحيين الاقباط في مصر، والسودان، واستمر عددهم ثابتاً ومقبولاً، على الرغم من هجرة اعداد منهم في ظروف متعلقة بكل دولة على حدة، فعدد المسيحيين في فلسطين بدأ يتناقص بعد قيام الكيان الاسرائيلي، وتناقص بكثافة بعد استيلاء التنظيمات الاسلامية مثل «حماس» و«الجهاد الاسلامي» على غزّة، وامتداد نفوذهم الى الضفة الغربية، وممارسة الضغوطات على المسيحيين، امّا في العراق فان الكارثة الكبيرة، التي هزّت الوجود المسيحي الكثيف كانت عندما اجتاح الاميركيون العراق بعد احداث 11 ايلول، واستغلّت التنظيمات التكفيرية الفرصة لمهاجمة بيوت المسيحيين وكنائسهم، ولم يجد المسيحيون معيناً لهم سوى الهجرة الى سوريا ولبنان وبعدهما الى اوروبا واميركا واوستراليا وكندا، ومن تبقّى منهم تكفّل به تنظيم «داعش» عندما احتل ربع العراق تقريباً، وبدأت عمليات الذبح والحرق والتهجير والأسلمة، ومن استطاع الهرب لجأ الى كردستان، كمحطّة للهجرة الى دول أكثر أماناً، مثل مئات الوف المسيحيين السوريين، الذين نزحوا الى لبنان والاردن، حيث السلامة متوافرة بسبب قوّة النظام في الاردن، ورحابة صدر اللبنانيين وعطفهم على كل نازح ولاجئ.
هذه الاضاءة السريعة على معاناة المسيحيين في هذا الشرق لاعطاء صورة عن واقع مرير عاشه هؤلاء وما زالوا يعيشونه، ليس لأنهم طرف في النزاعات القائمة، بل لأنهم مسيحيون، وما يجري اليوم في مصر من اضطهاد، وقتل بالجملة وحرق بيوت وكنائس، هو برهان انهم مستهدفون لأنهم مسيحيون، ولأنه ليس هناك دولة في العالم تحميهم او تدافع عنهم، كما هو الحال بالنسبة الى المسلمين، الشيعة منهم او السنّة، وكان يفترض برؤساء الدول العربية الاسلامية، ان يفعلوا المستحيل لحماية المسيحيين على الاقل ليستحقّوا انتسابهم الى العروبة، لأن لا عروبة في هذا الشرق من دون المسيحيين المشرقيين، فهم الذين اعطوا العروبة نكهتها الانفتاحية التقدمية، ومن دونهم تتحوّل الدول العربية الى دول اسلامية فحسب، ولكنهم لم يفعلوا، وما جرى ويجري اليوم في مصر والدول الاسلامية، وفي اوروبا واميركا وكندا واوستراليا من اعتداءات على الابرياء ورجال الدين المسيحيين ودور العبادة، يبقى اسير الرفض اللفظي من رؤساء الدول الاسلامية وملوكها وقياداتها الدينية، ولا يتجاوز الى الفعل الذي يوقف الارهاب والارهابيين، وينتزع من صدورهم الحقد، وما يضخّه في عقولهم شيوخ لا علاقة لهم بالدين والاخلاق والانسانية بل هم طبقة دونية تركهم التاريخ على قارعة الطريق، وفتحت لهم منابر المساجد والجوامع والمنتديات، والآن مئات المحطات التلفزيونية، ليجنّدوا مجرمين مهددين بالذبح والجنس.
جامعة الدول العربية، ورجال الدين المسلمين المعتدلين، والملوك والرؤساء العرب والعديد من القيادات، لا يأبهون لما يجري اليوم من اعتداءات على المسيحيين وكنائسهم في تركيا، وفي مصر وفي ايران، وهي دول يفترض انها معتدلة دينياً وتزعم انها ديموقراطية ولكن الواقع على الارض مختلف تماماً، وباستثناء عدد من الكتاب والفنانين والصحافيين واهل السياسة في مصر ولبنان والكويت، المفجوعين بما يحصل في هذه الدول وغيرها، من اضطهاد ومحاولات تهجير وتصفية، لا يلمس المسيحيون على الارض، اي تدبير او اي ادانة تنتج فعلاً محسوساً، يشعرهم بأنهم ليسوا وحيدين في مصيبتهم، بل هناك اشراف مسلمون يؤمنون حقيقة بما كتب في القرآن الكريم ويعملون بهديه.
في نهاية هذا العرض الذي أردته متنفسّاً عمّا يفكر فيه مسيحيو لبنان، اريد ان اذّكر جميع المسلمين، معتدلين ومتطرفين وغير مبالين، بالآية 86 من سورة البقرة «ولقد أتينا موسى الكتاب وقفيّنا من بعده بالرسل، وأتينا عيسى ابن مريم البيّنات، وايّدنه بالروح القدس، أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم، استكبرتم، ففريقاً كذّبتم وفريقاً تقتلون» صدق الله العظيم.
هذا الكلام الموجّه يومذاك الى اليهود الذين كذّبوا موسى وقتلوا يسوع، الا ينسحب اليوم على رجال الدين المسلمين وعلى المبرمجين بالتفسيرات غير الصحيحة، وبالحضّ على الذبح والانتحار، وقد وصل بهم الغلوّ في الحقد، الى تشويه كلام الله والحديث، وقد يصلون في يوم الى انكار نبوّة محمد.