يتصدر المسيحيون راهنا صفوف اللبنانيين الذين يدفعون لترحيل النازحين السوريين بأي ثمن. صحيح ان التداعيات السلبية لوجود نحو مليوني نازح في لبنان عدا حوالى نصف مليون لاجئ فلسطيني تشمل كل اللبنانيين دون استثناء وبخاصة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، الا ان المخاطر التي تتهدد المسيحيين تبقى “الأعظم” باعتبار ان اندماج كل هؤلاء في المجتمع اللبناني سيعني عمليا “ذوبان” المسيحيين بعد تحولهم ومنذ فترة أقلية طائفية تصارع للبقاء والحفاظ على الدور والتمثيل.
استشعرت البطريركية المارونية الأخطار المحدقة فجمعت المسؤولين المعنيين بالملف بحثا عن مخارج بعدما بدت غير مقتنعة بالأداء الحكومي في هذا المجال. وبغياب رئيس الجمهورية، او بالأحرى تغييبه المتواصل، يعتبر البطريرك الماروني بشارة الراعي انه المعني الاول اليوم بممارسة بعض ادواره التي اقتربت من التلاشي، وان كان يعي انه في موقع لا يخوله الفرض انما حصرا الضغط والتمني.
ويتزامن تحرك بكركي مع نوع من الاستنفار العوني- القواتي للدفع باتجاه الترحيل. وتبدو الخطوات التي يقوم بها الطرفان مماثلة وان لم تكن مشتركة ومنسقة انما باتت اقرب للتنافس بخلفيات شعبوية.
وتقول مصادر معنية بالملف ان “الطرفين يدركان ان الموضوع حساس جدا لدى القواعد المسيحية وانه يستوجب معالجة جذرية خاصة مع تفاقم معدلات الجريمة التي يرتكبها سوريون” لافتة في تصريح لـ “الديار” الى ان “التيار الوطني الحر كان سباقا لا شك في رفع الصوت والتحذير من تداعيات اللجوء العشوائي وهو مستمر في مسار الدفع للعودة منذ فترة، بخلاف “القوات اللبنانية” التي استشعرت متأخرة هذه المخاطر وباتت تحاول ان تكون رأس حربة في هذا الملف بعد اغتيال المسؤول القواتي باسكال سليمان”. وتضيف المصادر: “لكن وبغض النظر، يفترض ان تتلاقى الجهود المبذولة اليوم وتتوحد لحل هذه الازمة الوجودية لانه وفي حال تواصلت المقاربة العونية- القواتية على اساس من يسجل نقاطا على الآخر في هذا الملف، فسنبقى ندور في حلقة مفرغة وسيكون المسيحيون وكعادتهم اول من يدفع الثمن”.
وتعتبر المصادر ان “مقاربة الملف من زاوية مسيحية بحتة غير محقة، اذ تشير المعطيات الى ان البيئات التي استضافت نازحين بأعداد كبيرة هي التي تعاني الأمرين وتدفع منذ سنوات لعودتهم الى سوريا ولعل بلدة عرسال التي تُعتبر اكبر تجمع للنازحين في لبنان، اكبر دليل على ذلك”.
وتشير المصادر الى “اجراءات وتدابير عملية كثيرة باشر “الأمن العام” ووزارة الداخلية والبلديات اتخاذها لتسريع العودة”، مشددة على وجوب “مقاربة هذه الاجراءات والملف ككل بكثير من الحكمة والتأني لاننا بصدد كتلة تضم مليوني شخص وبالتالي اي أداء عنصري غير محسوب قد يؤدي الى انفجار أمني كبير يمهد لحرب اهلية كبرى”. وتضيف المصادر:”لا شك ان هذا الملف لا يمكن ان يُحل بكبسة زر وبقرار لبناني حصرا، فالاعداد الكبيرة لا يمكن ضمان مغادرتها الا بقرار دولي او اقله بضوء اخضر خارجي كما باطار تنسيق وثيق لبناني- سوري- دولي” لافتة الى ان “الخشية هي من سعي البعض لضم هذا الملف ليكون جزءا من التسوية الكبرى التي يفترض ان تُبصر النور بعد حرب غزة… لأن ذلك سيعني عمليا وضع العصي في الدواليب والدفع بالملف سنوات الى الامام ما يعني تضاعف اعداد النازحين ومعهم المشاكل والأزمات المرتبطة بالنزوح”.