بغض النظر عن المطبات التي تعترض قيام قانون انتخابي تجري على اساسه الانتخابات النيابية وفق مبدأ العدالة والمساواة وحسن التمثيل يبقى المسيحيون في عز فورتهم لتحقيق هذا الانجاز الوحيد الذي سوف ينقذهم من الذوبان بعد سلسلة من الاحباطات التي اصابت جسدهم طوال ربع قرن من الزمن وبات الوقت متيسراً للولوج داخل الدولة واداراتها التنفيذية بفعل التقارب القائم بين القوى المسيحية وخصوصاً القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والذي اعطى دفعاً قوياً نحو المثابرة في المطالبة بالحقوق قبل ان تداهمهم التطورات وخصوصاً على صعيد قانون الانتخابات الذي يبني السلطة على اسس متساوية لعقود من الزمن.
وتقول اوساط مسيحية مطلعة ان الفشل في الوصول الى قانون انتخابي عادل ليس بالضرورة الذهاب نحو خيارات اخرى كالمؤتمر التأسيسي لحل المشكلة كما جاء على لسان بعض الشخصيات والقوى السياسية والذي ستكون له ارتدادات خطيرة على المسيحيين والوضع اللبناني على حد سواء، وتعطي هذه الاوساط جملة من المخاوف في هذا الاطار وفق التالي:
اولاً: ان اي مؤتمر تأسيسي يعقد في البلاد سيطرح اشكاليات بين مختلف الطوائف وخلافات متجددة حول الصلاحيات والتي تبين عن وجه حق ان لرئاسة الجمهورية سلطات تم انتزاعها منها بفعل الخلل في التوازنات الداخلية والاقليمية نهاية التسعينات وهذا ما سيخلق مواجهة سياسية وفق خلفيات طائفية ومذهبية بين الطائفتين المسيحية والسنية في ظل رفض جامع ونهائي للقيادات السنية على مختلف توجهاتها لانتزاع سلطات من رئيس الحكومة حتى ولو كانت طفيفة لصالح رئاسة الجمهورية، مع العلم ان القرار التنفيذي في البلاد هو في يد مجلس الوزراء مجتمعاً يضاف اليها الخلاف المستجد حول رئاسة مجلس الشيوخ التي من المفترض ان تكون في يد الطائفة الارثوذكسية نظراً لعديدها الذي يفوق الطائفة الدرزية بحيث تصبح الرئاسات موزعة بين الطوائف الاربع الكبار: الشيعية والمارونية والسنية الارثوذكسية في المقابل يطالب الدروز برئاسة مجلس الشيوخ وفق الاتفاق الشفهي على هذا الامر في الطائف.
ثانيا: اشكالية اخرى سوف تظهر وهي الاهم وتتمثل بسلاح حزب الله الذي سيرتفع منسوب الخلاف حوله اذا ما تم طرح المؤتمر التأسيسي والذي لن يتنازل عنه الثنائي الشيعي سدى اذا تمت المقايضة كتابة في مضامين الدستور، اذا ما كانت صلاحيات الرئيس سيعاد البعض اليها ايضا وفق وضعه داخل سطور دستور الطائف وهذا ما سيدفع بالامور نحو المواجهة السياسية الى اقصى حد.
ثالثاً: ان اعادة عملية التعداد الديموغرافي في البلاد سيبين ان المسيحيين يشكلون حوالى 37 بالماية من السكان وهذا ما سيدفع بعض القوى الى اعادة تعويم المثالثة على مستوى الحكم وتوزيع المناصب، وبالتالي تصبح قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان ومديرية المخابرات مسائل يمكن ان تصل الى حد المدافعة عنها وهذا ما لا يرضاه المسيحيون اذ بدل ان تعاد بعض السلطات لرئاسة الجمهورية سوف تتم المقايضة على مراكز حساسة لهم في الدولة.
وتورد هذه الاوساط الى ان المواضيع الخلافية سوف تظهر الى العلن بشكل نافر على جدول اي مؤتمر تأسيسي ولا يمكن حصرها في موضوع وحيد وستضع المسيحيين بمواجة مع الطوائف الاخرى، وبالتالي فان اي اتفاق على قانون انتخابي جديد يجب ان يشكل باباً واسعاً للحوار المباشر والصريح بين كافة مكونات البلد الطائفية والسياسية وصولاً الى عدم فتح الملفات المعقدة والساخنة والاكتفاء بقانون يضمن لكلّ طائفة المجيء بنوابها، ولهذا تقول هذه الاوساط ان الحديث عن مؤتمر تأسيسي يأتي من باب المزاح الثقيل وفق التوازنات الجديدة في لبنان والمنطقة وعلى المسيحيين رص الصفوف ووضع الهدف الحقيقي لتوازنهم مع بقيّة الطوائف بواسطة شبك الايدي لانتاج ما هو صالح لبقائهم كمكون اساسي في هذا البلد دون الولوج الى اراضي جهنم تماشياً مع ما يتم تحضيره لمكونات الدول المجاورة من سيناريوهات مخيفة والاصح في هذه الحالة تدوير زوايا الطائف والاكتفاء بايصال الرئيس القوي المسيحي سيشكل دائماً تعويضا عن صلاحيات مسلوبة لا يمكن استرجاعها من الافق المنظور، وبالتالي تختم هذه الاوساط بالنفي الكلي والقاطع بالتوجه نحو مؤتمر تأسيسي يعيد البلاد الى التمترس وراء اكياس الرمل دون معرفة النتائج وفق جو دولي تخلى منذ وقت طويل عن صفات الامومة للمسيحيين وبات على هؤلاء العيش بعمق مع شركائهم حتى الرمق الاخير.