Site icon IMLebanon

المسيحيّون مسؤولون عن تعطيل الانتخابات لأن حضور نوابهم يكفي لتأمين النّصاب

من يتابع تصريحات نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم لا يستغرب ما يصدر عنه من مواقف، وكان أكثرها تحدياً واستفزازاً قوله للفريق اللبناني الآخر: “إما أن تنتخبوا الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية وإما يستمر الفراغ الى أجل غير مسمى، وعندها يظهر من يعطل انتخاب رئيس للجمهورية”.

وكان الشيخ قاسم أول من دعا قوى 14 آذار الى الاتفاق على مرشح توافقي رداً على ترشيحها الدكتور سمير جعجع للرئاسة لأن في ترشيحه، بحسب رأيه، تحدياً للفريق الآخر. وعندما لم تستجب اقترعت قوى 8 آذار في جلسة الانتخاب بأوراق بيض، ثم قرّرت بعد ذلك التغيب عن كل جلسة مخصصة لانتخاب الرئيس تعطيلاً لنصابها، وهي مستمرة في ذلك الى الآن لأن “حزب الله” يريد أن يبقي القرار في انتخاب رئيس للجمهورية لايران وليس للبنانيين ليجعله ورقة ضغط ومساومة في محادثات طهران الاقليمية والدولية، وإلا لكان الحزب مضى في ترشيح العماد عون، حتى إذا تأكد ان الأكثرية النيابية المطلوبة لفوزه غير مؤمنة، انتقل الى البحث عن مرشح آخر يحظى بهذه الأكثرية. وقد جارى العماد عون، بكل أسف، “حزب الله” في تعطيل جلسات الانتخابات الرئاسية ظناً منه أن المشروع الايراني التوسعي اذا ما نجح فانه يأتي به رئيساً للجمهورية وإن رغم الأكثرية، كما أتت سوريا زمن وصايتها على لبنان بكل رؤساء الجمهورية لأنها كانت تمتلك أكثرية نيابية جاءت بها قوانين انتخاب مفصلة على قياس المرشحين الموالين لها وهو ما لم تستطعه ايران.

وكان “حزب الله” وحلفاؤه في قوى 8 آذار، عندما فازت قوى 14 آذار بالأكثرية النيابية في انتخابات 2005 و2009، رفضوا حكم هذه الأكثرية بالقول إن لا حكم لها تطبيقاً للديموقراطية في ظل الطائفية، وانه لا بدّ من الغائها كي يصحّ عندئذ تطبيق الديموقر اطية. وقد سلّمت قوى 14 آذار بهذا المنطق وإن لم يكن مقنعاً حرصاً منها على استمرار الوفاق الوطني والعيش المشترك، وأخذت بمقولة “الشراكة الوطنية” في كل حكومة كي لا تستأثر الأكثرية بالقرارات المهمة وتهمل رأي الأقلية. وظلت قوى 14 آذار ملتزمة ذلك رغم أن “الشراكة الوطنية” تحولت مشاكسة في مجلس الوزراء. واثبتت الحكومات المسماة “وحدة وطنية” فشلها وقلّة انتاجها لأنها تتألف من اضداد لا تجانس ولا انسجام بين اعضائها. لكن قوى 8 آذار وبقوّة الجناح العسكري لـ”حزب الله”، خالفت قاعدة الوفاق والتوافق في تشكيل حكومة اللون الواحد برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، وقد عرفت بحكومة “حزب الله”، بعدما خالفت اتفاق الدوحة، ولم يحترم الحزب الرأي الآخر في تلك الحكومة ولا سياسة”النأي بالنفس” التي نالت الثقة على أساسها، وقرر منفرداً المشاركة في الحرب الدائرة في سوريا الى جانب النظام غير آبه برأي الفريق اللبناني المناهض لهذا النظام.

وعندما باشر الرئيس تمام سلام تشكيل الحكومة، خيَّر الشيخ نعيم قاسم قوى 14 آذار بين القبول بتشكيل حكومة “وحدة وطنية” بشروطه وشروط قوى 8 آذار، أو عليهم أن ينتظروا طويلاً تشكيلها، الى أن تمّ بعد 11 شهراً تقريباً التوصل الى تسوية سعودية – إيرانية أدت الى تشكيلها بعد تقديم كل من قوى 8 و14 آذار تنازلات متبادلة. وإذا كانت ايران وافقت على هذه التسوية فظناً منها أنها تستطيع ساعة تشاء اسقاط هذه الحكومة أو تعطيل عملها، وهو ما تواجهه البلاد حالياً بافتعال “التيار الوطني الحر” حليف “حزب الله” أزمة تعيينات عسكرية جعل لها الأولوية على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية، لا لشيء إلا لاعطاء مبرر لتعطيل عمل الحكومة واستمرار تعطيل جلسات الانتخاب في انتظار كلمة ايران التي ينتظر أن تقولها في ضوء نتائج المحادثات حول برنامجها النووي. فإذا تمّ التوصل الى اتفاق في شأنه انفرجت في لبنان، وإلا انفجرت أزمة التعطيل وفتحت الأبواب للفراغ الشامل الذي لا خروج منه إلا بعقد مؤتمر يضع دستوراً جديداً للبنان وربما صيغة جديدة له هيهات ان يمر الاتفاق عليها بسلام.

لذلك يمكن القول إن النائب وليد جنبلاط على حق عندما يحمّل المسيحيين مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية لأنه اذا كان لـ”حزب الله” أجندته الاقليمية فينبغي أن يكون للمسيحيين أجندتهم اللبنانية التي توجب عليهم حضور جلسات انتخاب الرئيس، وبحضورهم ولا سيما كتلة عون يكتمل نصابها، فلو أن القادة المسيحيين في الماضي فعلوا ما يفعله بعض القادة اليوم لما كان انتخب كميل شمعون رئيساً للجمهورية لأنه كان في استطاعة النواب الموالين للرئيس الشيخ بشارة الخوري تعطيل النصاب، ولما كان انتخب اللواء فؤاد شهاب رئيساً لأنه كان في استطاعة نواب شمعون تعطيل النصاب، ولما كان انتخب سليمان فرنجية رئيساً لأنه كان في استطاعة نواب “الحلف الثلاثي” تعطيل النصاب أيضاً وان يقولوا ما يقوله الشيخ نعيم قاسم عن عون، إما أن ينتخب شمعون أو الجميل أو إده، وهم وحدهم الأقوياء، للرئاسة الأولى أو لا رئيس.

إن على “حزب الله” ألا يظل يضع شريكه الآخر بين خيار السيئ والأسوأ، وان يختار بين أن يحكم لبنان بالأكثرية أو بالوفاق لا أن يظلّ يحكم كما يريد الحزب، إما حكم “خوش بوش” أو حكم “قراقوش”… وان يكون وحده “الفاخوري” الذي يضع “دينة” الجرّة حيث يريد.