قبل ان تصبح استقالة وزير العدل اشرف ريفي نهائية بقبول مجلس الوزراء لها، فُتح الباب امام تكهنات باحتمال تعيين وزير اصيل مكانه، ما يعني مسّاً بصلاحيات رئيس الجمهورية. فهل توافق القوى المسيحية على ذلك؟
في جلسة لمجلس الوزراء انعقدت برئاسة الرئيس اميل لحود في 5 شباط 2006، وضع وزير الداخلية حسن السبع استقالته في تصرف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وأعلن مجلس الوزراء انه اخذ علماً بها، وكلّف وزير الشباب والرياضة آنذاك احمد فتفت مهمات وزارة الداخلية لكونه وزيرا لها بالوكالة. أراد تيار المستقبل، لاحقاً، تعيين وزير اصيل، لكنّ لحود رفض ذلك، كما رفض اي محاولة لتثبيت فتفت في موقعه وزيراً اصيلاً. وعشية اجتماع الحكومة في 25 تشرين الثاني للموافقة على الاتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان حول إنشاء المحكمة الدولية، عاد السبع عن استقالته للمشاركة في الجلسة.
وهذه احدى صلاحيات رئيس الجمهورية التي استخدمها لحود مرتين، في حالتين مشابهتين، واحدة رفضاً، وثانية موافقة. فحين استقال الوزير فريد هيكل الخازن من حكومة الرئيس عمر كرامي بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري استعمل لحود صلاحياته للموافقة على تعيين الشيخ وديع الخازن وزيرا بدلا منه.
اليوم، تتكرر واقعة استقالة احد الوزراء، مع الفارق انها تجري في غياب رئيس الجمهورية، وفي خضم نزاع حكومي مستمر من دون توقف منذ الشغور الرئاسي قبل 22 شهراً، حول صلاحيات رئيس الجمهورية. استقالة الوزير اشرف ريفي لا تضع الحكومة امام محك اساسي، وهي التي تعاني اساساً مجموعة من المشكلات البنيوية التي لا تنتهي، بل تضع تيار المستقبل امام اسئلة عما حققه حين استقال ريفي، وتضع الاحزاب والقوى المسيحية امام تحدي قبول تعيين وزير اصيل، في غياب رئيس الجمهورية.
ثمة ملاحظات عدة توضع في سياق البحث عن خلف لريفي، وهي:
أولاً، ان تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري غضّا النظر عن استقالة ريفي الشفهية، والخطية لاحقاً، فاستعجلا الذهاب الى تسوية مفترضة لتعيين وزير اصيل بدل وزير العدل المستقيل. استقالة ريفي تعني عمليا خسارة المستقبل صوتا في مجلس الوزراء، وان كانت الوزيرة بالوكالة اليس شبطيني المحسوبة على الرئيس ميشال سليمان لن تكون بعيدة في اي قرار عن خط تيار المستقبل بحكم العلاقة المتينة التي تربط سليمان والحريري.
ثانياً، كون الوزيرة بالوكالة مارونية، استعجل المستقبل الذهاب الى خيار غير مضمون بتوزير احدى الشخصيات السنية للحلول محل ريفي الذي لم يبحث مجلس الوزراء امس موضوع استقالته. وقد بدأ الحديث في اوساط المستقبل عن هذا الخلل الطائفي في الحكومة، لكنّ القانونيين، من نواب ووزراء سابقين ممن ينتمون الى تيار المستقبل، يعرفون قبل غيرهم ان دون هذا التعيين محظورات قانونية ودستورية، وان ليس من السهل الذهاب الى تعيين وزير اصيل، كما حصل عند تعيين وزير العمل سليم جريصاتي بدلا من الوزير المستقيل شربل نحاس التي جرت في ظل وجود رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان، ومعالجة الخلل الطائفي لا تتقدم على المس بصلاحيات رئيس الجمهورية الماروني.
جسّ نبض قوى وشخصيات مسيحية لتعيين بديل لريفي لم يكن مشجّعاً
ثالثاً، ان بدء طرح اسماء بدلا من ريفي، في محاولة لجس النبض وخصوصا لدى الاحزاب والتيارات والشخصيات المسيحية، لم يكن مشجعا. ففي المبدأ، لا يمكن ان تقبل القوى المسيحية او الوزراء المستقلون او الارمن إطاحة آخر صلاحيات رئيس الجمهورية وتعيين وزير في الحكومة في غيابه، لان ذلك يقضي نهائيا على مفهوم الرئاسة وصلاحياتها، اضافة الى ان ما فعلته القوى المسيحية حتى الان من السعي الى الحفاظ على صلاحيات الرئيس من خلال الاصرار على جدول الاعمال والتوافق وتوقيع الوزراء جميعهم، سيكون غير ذي فائدة إن اطيحت صلاحيات الرئيس، ومن ضمنها تعيين الوزراء.
رابعاً، ان القوى المسيحية المشاركة في الحكومة هي المعنية اولا واخيرا بمواجهة هذا التعيين. وهنا تقع المسؤولية على ثلاث قوى اساسية: التيار الوطني الحر والكتائب والمردة، كما على الوزراء المسيحيين المستقلين والارمن. واذا كانت الكتائب قد بدت واضحة في رفض التعيين في غياب رئيس الجمهورية، فإن ثمة تساؤلات عن احتمال ان يصبح هذا الامر محل مساومة لدى تيار المردة، الذي يرشح تيار المستقبل رئيسه النائب سليمان فرنجيه للرئاسة، وهو سبق ان وافق على جلسة التشريع من دون حضور القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. وكذلك يخشى الرافضون لتعيين وزير اصيل من ان يسعى اي طرف لاقناع التيار الوطني الحر، في ظل الحملة غير المسبوقة عليه وعلى رئيسه الوزير جبران باسيل، بتليين موقفه والموافقة على تعيين وزير اصيل للعدل، من ضمن سياسة ترطيب الاجواء مع المستقبل، والتذرع بالتوافق بين كافة المكونات الحكومية لتعيين وزير اصيل، فيما تردّدت معلومات بأن وزراء التيار، في ظل الهجوم المستقبلي على باسيل، قد يلجأون الى عدم توقيع استقالة ريفي التي تتطلب توقيع جميع الوزراء لتصبح نهائية، وبالتالي لا يمكن وفق ذلك الموافقة على تعيين وزير اصيل للعدل، علما ان عدم توقيع الاستقالة يفتح الباب لاحقا امام عودة ريفي، برغم ان الاخير لا يبدو في وارد العودة مطلقا.
ومن خارج الحكومة يبقى موقف القوات اللبنانية التي ذهب الدكتور سمير جعجع الى الحد الاقصى بعدم ممانعته استقالة الحكومة ككل.
لا تتعلق القضية بقضية شكلية عابرة. والمشكلة ان لكل طرف حسابات متفرعة من المشكلة الاساسية، علاقة التيار الوطني بتيار المستقبل وعلاقة القوات ايضا به، في ظل الخلاف الاساسي على رئاسة الجمهورية. واذا لم يتمكن المسيحيون من اجراء الانتخابات الرئاسية، فانهم حتى اليوم مصرون على الحفاظ على صلاحيات الرئيس المغيب الى اشعار آخر. وتعيين وزير اصيل احدى اهم هذه الصلاحيات. وحتى الان، لا وزير اصيلا من خارج الحكومة، واذا قبلت الاستقالة بالاجماع، فانه لا وزير للعدل الا بالوكالة.