Site icon IMLebanon

المسيحيّون… عملاء؟!

 

عند معظم شعوب العالم، هناك اشخاص قياديون، يتحولون عند شعوبهم الى ايقونات وطنية، او ايقونات سياسية، وفي بعض الدول المتعددة الطوائف والمذاهب، يصبحون بالنسبة الى طوائفهم ومذاهبهم، بمثابة ايقونات، التعرض لهم بالاهانات والمس بهم وتحقيرهم، وكأنها موجهة الى طائفة الايقونة او مذهبها، وهذا الوضع انسحب في لبنان على شخص واحد، هو الرئيس الشهيد بشير الجميل، الذي اعتبرته الطائفة المسيحية باغلبيتها الساحقة، انه منقذ لبنان والمسيحيين من الحرب التي شنها عليهم الفلسطينيون وبعدهم السوريون، والعديد من المرتزقة العرب، وعندما وصل الى سدة الرئاسة الاولى في ايامها الاولى، تحولت الايقونة الطائفية الى ايقونة وطنية، بعد ارتياح كثير من اللبنانيين غير المسيحيين الى طروحات بشير الوطنية والاصلاحية والسيادية.

في طريقه من قائد عسكري مقاوم، الى رئيس للجمهورية، مدّ بشير، وكثر غيره ايديهم الى ما وراء الحدود، الى العدو الاسرائيلي الملاذ الوحيد المتاح لانقاذ المسيحيين من الذبح في بيروت وضواحيها وزحلة والدامور والجية والقرى المسيحية في اقليم الخروب. وعشاش وشكا والكورة وقرى في قضاءي بشري والبترون، ولم يخترع بشير الجميل المتل الذي عملت به الشعوب قديماً وحديثاً والذي يقول «امد يدي الى الشيطان لانقذ نفسي ووطني»، والامثلة على ذلك كثيرة وعديدة ولم يعد هناك من داع لتكرارها، ولكن عندما وجد بشير الجميل ان ثمن السلاح الاسرائيلي سيكون رهن لبنان لاسرائيل، قال لا كبيرة لقادة اسرائيل وعاد كبيراً مرفوع الرأس الى وطنه.

خصوم بشير ولبنان وشعبه، تمكنوا من بشير فقتلوه، وقتلوا معه 23 مدنياً وادخلوا لبنان في آتون حروب استمرت ثماني سنوات، واوصلت لبنان الى ما هو عليه اليوم من انهيار في جميع نواحي الحياة، وعندما لاحت بارقة امل في عودة القضاء اللبناني الى العز الذي كان عليه، واصدر حكماً طبيعياً عادياً باعدام من حرض وقتل رئيس الجمهورية اللبنانية بشير الجميل، ارتفعت مع الاسف اصوات جوقة حاقدة ارادت ان تقتل بشيراً مرة اخرى وتقتل معه طائفة بكاملها لانها تعتبره ايقونتها.

*  *  *

من هذه النقطة بالذات، لا بأس ان نعود قليلاً الى الوراء، لنلقي الضوء على المسيحيين «العملاء» ونشير الى انه في سنوات الخمسينات والستينات، كانت الحكومة اللبنانية تتشدد بملاحقة عملاء اسرائيل في لبنان وجواسيها، وكانت الاذاعة اللبنانية تبث برنامجاً توجيهياً حمل اسم «لكل مواطن خفير» وكان الصحافي المرحوم وفيق الطيبي احد صاحبي جريدة «اليوم» يهتم بهذا البرنامج ومن يرغب يمكن مراجعة الارشيف، وكان البرنامج يسلط الضوء على الشبكات التي تكشفها قوى الامن، وقد ظهر في تلك الايام ان جميع من جندتهم اسرائيل كعملاء لم يكن بينهم مسيحي واحد، ليس لان المسيحي افضل من غيره واكثر وطنية منه، بل لان المسيحي نشأ دينياً على كره اليهود، على عكس الطوائف الاسلامية التي تعتبر اليهود ابناء عم، وهناك جاليات عديدة في المغرب والجزائر وليبيا وايران تعيش بسلام مع طوائف تلك الدول، حتى ان الكنائس غير الكاثوليكية، لم تتجاوب مع قرار الفاتيكان بتبرئة الشعب اليهودي من دم يسوع المسيح.

ليس بهذه الهجمة على رموز المسيحيين، والبطريرك التاريخي مار نصر الله بطرس صفير، نال قسطاً وافراً منها، يصان العيش الواحد والوحدة الوطنية، وفي حقيقة الامر لم يعد المسيحيون يطيقون هذا العيش.