IMLebanon

المسيحيون أمام خيارين: الليرة أو الشعور بالغبن؟

ليس معيباً أن يعترف المسؤولون أنّ الإفلاس السياسي والفشل في إدارة شؤون البلد بات عنوان إنجازاتهم التي تتجلّى بشغور رئاسي متمادٍ ومجلسٍ نيابي مشلول لا يلتئم إلّا للتمديد له وللجانه وحكومة خسرت اسمها «المصلحة الوطنية». والأخطر الوصول الى المَسّ بالليرة والتشكيك بمناعتها بعد التلاعب برواتب العسكريين لتسويق أعراف وسوابق غير دستورية وغير متوافق عليها. كيف ولماذا؟

حتى الأمس القريب كانت كلّ المعطيات التي قادت الى الشغور الرئاسي ومسلسل الأزمات التي تناسلت من رحم هذا الشغور تجرى تحت عناوين سياسية قياساً على الفرز القائم بين اللبنانيين على خلفياته المذهبية العميقة الممتدة على مدى العالم الإسلامي والذي زادت من حدّته موجات توسّع الثورة الإسلامية في إيران باتجاه دول وإمارات وممالك الخليج العربي والشرق الأوسط قبل بلوغ الربيع العربي وصولاً الى الأزمة السورية.

ويعترف العارفون أنّ هذا الخليط من الصراع المذهبي قاد اللبنانيين الى انقسامات على قياسه وتوازناته الهشة فحكمت العلاقات السعودية – السورية الساحة اللبنانية لسنوات قبل أن تتحكّم بها العلاقات السعودية – الإيرانية التي ما زالت متوافقة على تهدئة الساحة اللبنانية بالحدّ الأدنى المطلوب، ما أوحى بهذا الهدوء الذي تشهده البلاد على المستوى الأمني وهو في عهدة المؤسسات العسكرية والأمنية التي تمسك بالأمور بيد من حديد رغم الشلل الذي أصاب المؤسسات السياسية التشريعية والتنفيذية والإدارية.

في هذه الأجواء طرحت مسألة «تشريع الضرورة» على وقع الفشل الحكومي في ترتيب أيّ من الملفات المفتوحة على شتى الإحتمالات ومنها ملف النفايات الذي بات بحكم الأمر الواقع وصمة عار على جبين لبنان واللبنانيين الى أجل غير مسمى، يلقي بأخطاره البيئية والصحّية والإجتماعية على كاهل اللبنانيين ويزيد من المخاوف على النتائج السلبية المترتبة عليه.

تزامناً تلاقت مواقف القوى والأحزاب المسيحية على رفض التشريع إما بالمطلق، كما يقول حزب «الكتائب»، أو مشروطاً بأولويات القوانين التي سيتناولها، كما تقول «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر».

فالكتائب ما زالت على موقفها الثابت بأنّ مهمة مجلس النواب منذ 24 ايار العام 2014 انتخاب رئيس للجمهورية قبل القيام بأيّ عمل آخر، وبالتالي فإنّ الحديث عن «تشريع الضرورة» محاولة لطَيّ انتخابات الرئيس والإستغناء عنه، فيما يرى الآخرون أنّ البتّ بقانون استعادة الجنسية لللبنانيين المتحدّرين وقانون جديد للإنتخاب يبرّر تشريع الضرورة.

ورغم هذا الشعور المسيحي بالغبن، هناك مَن يعتقد أنّ ما يتم تكريسه من أعراف وتقاليد تتجاوز الدستور ستزيد من هشاشة موقع رئيس الجمهورية في المستقبل وفي كلّ وقت.

وهم يتطلّعون الى مسؤولية القيادات المسيحية التي لم توحّد مواقفها على الأقل في الإستحقاق الرئاسي قبل أن يوجّه اللوم الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الساعي بكلّ جهد الى عقد جلسة تشريعية للمجلس النيابي على قاعدة الضرورة القصوى باعتبار أنّ أمام لبنان استحقاقات مصرفية ومالية دولية لا يمكن تجاوزها أيّاً كانت الظروف المحيطة بها حتى إنه بات على استعداد لتجاوز الميثاقية التي حكمت تعاطيه مع جلسات المجلس النيابي التشريعية النادرة التي عقدت منذ الشغور الرئاسي.

غير أنّ الأخطر من كلّ ذلك يكمن في الشعور المسيحي بأنّ أيّ جلسة تشريعية تتجاوز أفضلية انتخاب الرئيس ستلقي بثقلها على شعور المسيحيين بالغبن. ذلك أنّ أيّ اتفاق بين المكوّنات الإسلامية يتجاوز تلقائياً القوى المسيحية وهو ما ترجمته الجلسات التي مدّدت للمجلس النيابي مرتين، وهو الإتفاق نفسه الذي عطل المجلس الدستوري الذي دعي للنظر في الطعن الذي تقدّم به رئيس الجمهورية بقانون التمديد، فكيف بالنسبة الى الوضع الحالي القائم بغياب هذا الرئيس وأيّة مرجعية أخرى لها الحق بالطعن في القوانين التي يمكن أن يقرّها مجلس النواب؟

على أيّ حال فرضت القوانين الإقتصادية والمعاهدات الدولية التي يطالبون لبنان بإقرارها واقعاً جديداً يمكن أن يتجاوز هذا الصراع حول الصلاحيات والأحجام، ما يدفع باتجاه سؤال وجيه مطروح على القيادات المسيحية من دون استثناء وعليهم إعطاء الجواب عنه: لمَن الأفضلية: لحماية الليرة التي يهدّدون بها بعد التلاعب برواتب العسكريين، أم للشعور المسيحي بالتهميش والغبن؟

أيّاً كان الجواب المسيحي، فبالتأكيد لن يكون واحداً قياساً على حجم انقساماتهم، لكن ما هو واضح للعيان أنّ على المسؤولين في لبنان حماية الليرة أيّاً كان الثمن. فالتجارب السابقة قالت إنّ هناك مَن هم على استعداد للتلاعب بالليرة وحرقها ولو دفع البلد ثمناً أغلى ممّا يتصوره أحد، فاللبنانيون اكتووا ما فيه الكفاية من أخطاء سياسييهم وارتهانهم للخارج ولم يبقَ لهم في لبنان سوى الإستقرار الإقتصادي والمالي، ما يشجعهم على البقاء فيه مع التحذير من مخاطر المَسّ بالإقتصاد والليرة بشكل خاص.