«هل كان البطريرك الحويك سيرضى بما يفعله الأحفاد»؟
مسيحيون من خارج «الثنائي»: بالدور لا بالكرسي.. نعود
لا تختلف شرائح مسيحية لبنان وازنة في القول إن لبنان يمر في لحظة تاريخية بالغة الأهمية، اليوم. مقولة درج مسيحيون كثر على تردادها، وبينهم «الثنائي الماروني»، ومضمونها أن المسيحيين بعد انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة وإطلاق ورشة القانون الانتخابي، حجزوا لهم مقعدا رئيسيا في الخريطة السياسية اللبنانية، وطووا مرحلة «الإحباط» التي ميزت حقبة ما بعد الطائف.
وإذا كان وصول العماد عون الى سدة الرئاسة يلخص نقطة التحول في التاريخ المسيحي الحديث، حسب أصحاب هذه المقولة، فثمة من يرى من المسيحيين رؤية مختلفة.
يعود هؤلاء الى طبيعة الدور المسيحي في تأسيس الكيان اللبناني، والذي شكل شرطه العيش المشترك بين اللبنانيين. هم يستعيدون دور الكنيسة المارونية بزعامة البطريرك الياس الحويك في نشوء لبنان، حيث يشعر المسيحي بمواطنيته قبل انتمائه الطائفي.
انطلاقا من هنا، يشعر بعض المسيحيين بتلك الفجوة العميقة بين طبيعة دورهم المنذور للبنان، وذلك الذي أفضت اليه حكايتهم مع الوطن.
بالنسبة الى هؤلاء، فإن ما حصّله المسيحيون، إن كان ذلك في رئاسة الجمهورية أو في الحكومة، لا يعدو كونه «حصة في كراسي السلطة»، بينما قضيتهم تتجاوز ذلك بكثير.
أصحاب وجهة النظر نفسها، وهم من المعارضين لـ «تفاهم معراب»، يرون أنه على المسيحيين استرجاع مشروعهم الأصلي في الوطن «فما الفائدة من المناصب اذا كان النفوذ في البلد من خارج المؤسسات والدولة؟»، ويسألون: «هل هذه هي دعوة البطريرك الحويك، وهل كان سيرضى بما فعله الأحفاد؟»، ويتابعون «هل تشكيل لبنان بشروط حزب الله يخدم العيش المشترك والسيادة والاستقلال»؟، ثم «كيف ينتقل المسيحيون من حاضنين للوطن الى مجرد لاعبين محليين في لعبة الاستقطاب المذهبي بين السنة والشيعة؟».
لا يعير هؤلاء اهتماما لما يصطلح على تسميته اليوم بـ «العهد الجديد» الذي يرون أنه ليس جديا اليوم في مواجهة تحديات ثلاثة:
أولا، تثبيت الاستقرار: «لا أمل في هذا الأمر كون «العهد» يقدم التنازلات تلو الاخرى تحت شعار ان «وضعنا أفضل من غيرنا في اماكن اخرى في المنطقة»، «فهل أصبح طموح المسيحيين مقايضة هيمنة حزب الله بشجرة عيد ميلاد في جونيه أو جبيل»؟. ثم من يشك للحظة بأن الاستقرار الهش القائم اليوم في لبنان لا يضمنه لا الدستور ولا القانون ولا حتى المؤسسات الأمنية، بل يضمنه لاعب واحد هو «حزب الله».. «وهو ما لا نقبله وسنقاومه».
ثانيا، قانون الانتخاب: ستكثر التحليلات حول كيفية نيل المسيحيين مقعدا من هنا ومقعدا من هناك في الانتخابات المقبلة، بينما المطلوب من «حزب الله» اليوم أن يتم التوصل الى مجلس نيابي على غرار ذلك العراقي الذي شرّع ميليشيات الحشد الشعبي، بينما المطلوب في لبنان تشريع العمل العسكري لـ «حزب الله». بالنسبة الى هذا التيار المسيحي، فإن الغاية هي فرض الغالب لشروطه على المغلوب، لكن ذلك يستتبع سؤالا يستبطن تحذيرا من قبل هؤلاء: إياكم واستفزاز هذا المغلوب!
ثالثا، قضية الفساد: الكل يرفع شعار مكافحة الفساد وذلك لا يعدو كونه يضعنا أمام محاسبة استنسابية، «إذ لن تتم مكافحة الفساد في الأماكن التي يحظر على السلطات اللبنانية قرع أبوابها».
ما المطلوب من «العهد الجديد» في مواجهة كل هذه التحديات؟
بالنسبة الى أصحاب هذه الرؤية، فإن عون يبدو عاجزاً عن تحقيق اي خرق جدي على هذه الصعد محليا، والمصيبة الأكبر، أنه في الوقت الذي تتشكل فيه المنطقة من دون المسيحيين، لا يبدو هؤلاء، حسب أصحاب وجهة النظر المتشائمة، قادرين على الحضور والتصدي لدورهم في المنطقة، «بينما هم في لبنان، يسعون وراء الكرسي.. على حساب الدور!».