دون ادنى شك قرأ المسيحيون اللبنانيون جيدا ما حل بمصير اخوانهم في العراق وسوريا وفلسطين ومصر وما كان ليحصل هذا التدهور في احوالهم لولا «الربيع العربي» وفي عصر احادية الامبراطورية الاميركية والأم الاوروبية العجوز، كانوا ما قبل هذا «الخريف» رواد النهضة العربية وحاربوا تتريك هذه اللغة حتى قيض لهم ان يكونوا قدوة في العيش بسلام مع هذا البحر الاسلامي الكبير. ولا يمكن استحضار الواقع المرير دون القاء نظرة مقتضبة على تاريخهم الحافل بالانجازات الثقافية والاجتماعية وحتى العسكرية، ويذكر احد الاساقفة الموارنة تلك الحقبة بحسرة ولكن مع ايمان اكيد بالقيامة ليقول: كانوا مقدامين في كل المجالات ولديهم رؤية للواقع الاسلامي الذي عمد الى تهميشهم في فترات معينة ثم الى تعويمهم بفضل انجازاتهم التي رأى فيها المسلمون نافذة نحو التقدم ورقي بلدانهم، ويعطي الاسقف مقارنة بسيطة عن الفخر الذي شعر به المسيحيون في ازمنة معينة لحظة انجازهم انتصارات عسكرية لمصلحة المسلمين وتحت رايتهم التي تقدمت بها بعض الدول نحو قضايا القومية والعربية ويسرد الوقائع الآتية:
– اولا: ان موقعة محاربة المسيحي عيسى العوام الى جانب اخوانه المسلمين وعلى رأسهم صلاح الدين الايوبي حيث قدم له انصاره وسار على رأسهم في محاربة ابناء ملته.
ثانيا: وقوف فارس الخوري ضد الفرنسيين في الجامعع الاموي بشكل علني الى جانب المسلمين في وجه الاستعمار.
ثالثا: ان العمليات الاستشهادية من اجل الاوطان اول من قادها ضابط مصري مسيحي يدعى جوال جمال في عملية اسماها «الشرق» حيث فجر زورقه بالمدمرة جاندارك في بور سعيد.
رابعا: وصل الامر بالرئيس العراقي الاسبق احمد حسن البكر بان ركع باصرار منه امام رئيس الطائفة الاشورية وتلقى البركة.
يسرد الاسقف هذه الوقائع التاريخية كي يثير الواقع الاليم ومرارة المسيحيين من اخوانهم المسلمين الذين تركوهم فريسة بعض الجهات التكفيرية تحت عناوين العودة الى الشريعة – وما كان المسلمون يوما معنيين بشأن القدس قدر تعلق المسيحيين فيها وبقبر مخلصهم وكنيسة القيامة. واذا كان البعض من المسلمين يتمسك بوقائع الفتوحات الصليبية في محاولة نبذها التاريخ وجاء احفاد الفاتحين منذ سنوات وجالوا على الدول الاسلامية والعربية وقدموا اعتذارا علنيا للمسلمين ومن على شاشات التلفزة، ولكن هل يجرؤ اي قائد مسلم سياسي ام ديني بتقديم الاعتذار عما ارتكبه بشر يحملون الدين الحنيف وما هم من تلك الطينة بفعل الفظاعات التي ارتكبوها والتي لم يسبق للكون وتاريخها ان شهدها.
ويضيف: كيف لنا ان نتغنى في لبنان بالعيش الواحد والمشترك وفي الصالونات الضيقة يعود كل مذهب الى مفاهيمه الطائفية، واذا كان المسلمون في لبنان يعتقدون ان للمسيحيين دورا في هذا الشرق فاين هي اواصر الاخوة وروابط العيش معا مما يتم تحضيره لاخوانهم على مدى قرون من الزمن من تنكيل واضطهاد ونعي وسبي، وهل يطيب لبعض الساكتين ان يعودوا بالشوق الى زمن الجاهلية والتي انبثق من بعدها نور الاسلام الذي قضى على كل ما قبله من قتل وقطع رؤوس، واين الذين يريدون العودة الى كتاب الله القرآن الكريم في مسائل التسامح والغفران وحفظ النصارى من الاذى؟؟
يحكي الاسقف، وفي قلبه غصة ليس من اهل الغرب من اميركيين واوروبيين ومسألة الام الحنون التي قضت على اولادها من كثرة الشر، بل ان المرارة نابعة من كون اخوانهم المسلمين غير آبهين لترحيل المسيحيين من الشرق وكأن لا حاجة اليهم بعد اليوم، ولكن التقدم والحضارة والثقافة تسير الى الامام وليس الى الوراء وما يجري حقا في الشرق هو العودة الى الاسلام الذي لا يعرفه لا المسلمون ولا المسيحيون وعلى الاقل إذا كانت ايديهم لا تطال وقاصرة عن المعالجة فاين الاصوات المنددة بهذا الذي يرتكب ضد المسيحيين.
ويتساءل: الم تعمد بكركي في التاريخ الحالي الى مساعدة المسلمين حين كان يلاحقهم بني عثمان، الم يتدخل البطريرك الماروني لدى العثمانيين لاعفاء المسلمين من الخدمة الاجبارية وسوقهم الى مجاهل القتل والحروب، اذن كيف يتدخل البطريرك المسيحي بشكل فعلي ولا نسمع مجرد مناداة حقيقية بوقف قتل المسيحيين ليذهب الظن الى ان المسلمين قد اسلموا ورفعوا لمخططات صليبية – صهيونية جديدة ولم يحركوا ساكنا، على الاقل فليذهب القادة المسلمون الى البطاركة المسيحيين ويصارحونهم القول بالعجز او السكوت عن هذه المجازر التي حصلت والمقبلة.
ويتحدث الاسقف عن القمم الروحية المسيحية – الاسلامية ليوضح ان مكان اللقاء يضج بالحنان والعطف والمشاعر الجياشة الا ان واقع الحال بعد كل قمة فان شيئا لا يتغير، وهنا يسأل الاسقف لماذا اذن يحضر المسلمون هذه القمم الروحية؟ هل لأخذ الصورة فقط والتي لا تقدم ولا تؤخر في المسار العام لتدهور احوال المسيحيين الذين يصارحهم القول اخوانهم بانهم شركاء حقيقيون في بناء الوطن بل هم اساسه ولكن وسائل التنفيذ معدومة الوجود ويعرف الاسقف حسب ما يرويه ان المسلمين في الوقت الراهن ربما يشكل لهم المسيحيون حاجة تتمثل في استعمالهم كسيارة اسعاف لنقل جرحى التقاتل الاسلامي – الاسلامي. ولكن هل هذه هي وظيفة المسيحيين في لبنان؟ وهل اقبلوا على الطائف ونادوا به كبديل عن الدستور من اجل تهميشهم وطردهم من الادارات وتفضيل الاخرين عليهم، الا يعلم القادة المسلمون كيفية توزع الوظائف واعداد المسيحيين فيها، فلماذا لا يبادرون الى اي وقت ينتظرون مع انهم يتحملون المسؤولية سواسية مع المسيحيين وفق مبدأ الشركة.
لا يعف الاسقف المسيحيين انفسهم من وصولهم الى هذه العذابات مع علمهم الاكيد ان مسيحيي الشرق بأكملهم كانوا يزدادون قوة وبأسا قياسا على قوة المسيحي اللبناني، فكيف لهم بعد اليوم والتشرذم المسيحي القائم على مختلف المستويات السياسية ان يتكئوا على وسادتهم سالمين بعيدا عن القلق على المصير، فاذا كان النبع ينضب فكيف للفروع والمجاري ان تسير بهدوء وسكينة؟
ووفق الصورة الحاضرة حاليا فان هذا الاسقف يرى ان الغيوم ملبدة تجاه الواقع المسيحي في لبنان ويكفيهم مشاهدة بلدة عين عرب السورية التي يراقب الاتراك اهلها وهم يذبحون ليتماشى هذا المشهد مع ما حصل في الجبل واقليم الخروب وشرق صيدا عندما كان المسيحيون يتم تهجيرهم والدبابات الاسرائيلية تراقب بشكل غاضب عدم هجرتهم السريعة وهي في الهدف تريد ان تفرغ هذه القرى والبلدات بشكل عاجل تمهيدا لرؤية صهيونية ترى في المسيحي منتجاً يضاهي افكارها الاقتصادية والثقافية والسياحية ولقد سجلت في ذاكرتها في اجتياح العام 1982 ان عملتها (الشيكل) لا تساوي رزمات منه عشر ليرات لبنانية!!
ويدع الاسقف الى اعطاء الوصف الحقيقي للجماعات الارهابية ووصفها بالتكفيرية وليس بمجرد «مسلحين» ذلك ان خطرها لن يقتصر على المسيحي بل سيأتي دور المسلمين في الذبح كما فعلوا بهم في العراق وسوريا ذلك ان الامر الناهي لهذه الاصوليات المتشددة ظهر على حقيقته وهي اسرائيل والصهيونية وهي ان عمدت الى ترحيل المسيحيين فسوف يأتي دور المسلمين تماما كمشهد البقرات السبع التي نحرت جميعها.
ويقال للاسقف كلام حول انعدام الرؤية المسيحية في الحروب الكبرى والابتعاد عن الواقعية ليجيب باعطائها هامشا صحيحا من هذا الكلام ذلك ان القادة المسيحيين مشتاقون الى اخوتهم البيزنطيين الذين اختلفوا داخل اسوارهم على جنس الملائكة فيما غاب جنسهم بكامله ذكرا وانثى داخل مدينة الخطيئة!