Site icon IMLebanon

المسيحيون تحوّلوا الى وضعية النازحين

المتراس الوحيد للمسيحيين المتبقين في الشرق باكمله هو لبنان واية زحزحة لمدماك وحيد منه يمكن ان يقضي على وجودهم بشكل كامل في بقعة لطالما كانوا اول من سكنها وترعرع وولد فيها سيدهم يسوع المسيح، طبعاً ان هذا الامر يشكل غرابة مشهدية تاريخية كان من المفترض ان لا تتزحزح على مدى الازمان، وحمايتها من واجب الوجود تماشياً مع الحفاظ على مكة المكرمة قبلة المسلمين وشهوة اليهود نحو البقاء في فلسطين وفق معتقدات ارض الميعاد، وكذلك اهل بوذا في الشرق الاقصى المتسمرين في ارضهم ومعتقداتهم، انما كيف يمكن ان يكون موطن المسيح وحده مهدداً بالزوال، وانقراض المؤمنين به والباقون لا يمكن مجرد التفكير في مثل هذه الحالة!!

ثمة الكثير من الاسئلة المطروحة لدى نخبة من المسيحيين المثقفين واهل السياسة القلائل منهم حول ما هو المطلوب منهم وضرورة العمل به بشكل فوري قبل ان تسقط القسطنطينية الثانية على رؤوس من بناها خصوصا وان التاريخ سيشهد انقراض امبراطوريات بكاملها كالكلدانيين والاشوريين فيما المسيحيون في لبنان والشرق يعيشون على هامش بعض الجمهوريات وليست لديهم جيوش جرارة ولا ممالك او امبراطوريات وكل ما يملكونه حالياً هو التمسك بالارض والايمان بمن اوجدهم في هذه البقعة الجغرافية المترامية من الوجود الاسلامية الكثيف بحيث يتعرضون عند كل منعطف الى الترغيب والترهيب للرحيل من الشرق.

ويكشف مصدر مسيحي مطلع ان اخطاراً حقيقية وارقاماً صادمة يمكن ان تشكل صدمة للوجود المسيحي بكامله يضاف الى هذه الارقام افكار مركزية مستجدة مع حلول القرن العشرين وصولاً الى ظهور الحركات التكفيرية والاسلام المتشدد الذي لا يراعي المكونات المتعددة وهذا اخطر بكثير مما عاناه المسيحيون في مراحل حكم المماليك والعثمانيين، ذلك انهم في تلك الايام وقفوا الى جانب قادتهم السياسيين والدينيين وعلى رأسهم البطريركية المارونية وصمدوا بالرغم من القتل والتنكيل لتعطي تلك المشهدية الغابرة صورة طبق الاصل عما حصل للمسيحيين في العراق وسوريا وفلسطين ويلفت هذا المصدر الى ان مجيء بعض مسيحيي تلك الدول الى لبنان لا يمكن اعتباره مقراً دائماً على خلفية التفكير الدائم بالرحيل نحو الغرب شأنهم شأن الكثيرين من اللبنانيين المسيحيين الذين يتطلعون نحو المغادرة للاسباب نفسها مع فارق ضئيل في حجم الضغوط الممارسة عليهم في لبنان ذلك ان خسارتهم لموقع رئاسة الجمهورية وصلاحياتها اوقعهم في المحظورات التالية:

1- من موقع المسيحيين في الدولة اللبنانية بات هامشياً واكثر المستطاع لرفع اصواتهم هو الاستعانة بصديق شيعي من هنا وسني من هناك وبذلك تصبح خارطة  نفوذهم متعلقة حصراً بهذه الاستعانة التي لولاها لما تم سماعهم من اية جهة في الكون، وان دورهم في مؤسسات الدولة تضاءل بشكل مخيف من اعلى المراكز وصولاً الى الفئات الخامسة من الموظفين الذين بات في دماغهم الخلفي وضعية الخائف الاقلوي من الاكثرية وبعد سلسلة من تعبئة الادارات في الدولة من قبل المسلمين على حسابهم، وفي مطلق الاحوال فان المسيحيين اللبنانيين باتت لديهم «عقيدة الموظف» ليس إلا ذلك ان الانتماء لهذا الوطن الذي له مرتكزاته في المساواة والشراكة باتت من الماضي واصبح من المعيب التحدت بها.

2ـ وفق هذه المشهدية ومع استهداف المسيحيين الاخير في بلدة القاع والآتي لا احد يعرف اتجاهه، بات لدى المسيحيين قلق اكبر يقترب مما كانت عليه الطوائف المسيحية في العراق قبيل الحرب الاميركية عليه، وبالتالي اصبحوا مرضى حقيقيين تستلزم حالتهم ادوية مركزية واساسية كي لا يتحكم بهم الموت الواحد تلو الآخر، وان المطالبة برئيس مسيحي جديد للبلاد ليس هو المبتغى الذي يضمد جروحاً بليغة وصلت الى حد النزف الكبير ذلك ان المشكلة معقدة واعمق من هذا الامر بكثير وتخطت هذا الاستحقاق وصولاً الى السؤال الجوهري حول ديمومة الوجود للاجيال القادمة.

3ـ ان المنطقة مقبلة دون ادنى شك وفق المعطيات التي تشهد ان اتفاقاً جديداً سوف يولد بلداناً لم تكن موجودة منذ مئات السنين تعد له الدول الكبرى وان احداً من هذه الدول سأل عن مصيرالمسيحيين في الشرق بل العكس هو الذي حصل عندما سمحت اميركا ومعها بعض الدول الغربية بزحف «داعش» نحو الموصل بآلاف الآليات وتركتها تتوغل في اقدم المدن المسيحية في العالم دون ان تتدخل بحيث بات الغافل يعي الدور الاميركي وبعض الدول الاوروبية في تسهـيل رحـيل المسيحيـين من الشرق.

4- بغض النظر  عن النظرة التاريخية القديمة التي تتجلى في مقولة حماية الغرب للمسيحيين، فان الادوار انقلبت بحيث بات لبنان آخر معقل للمسيحية في الشرق وهذا مطلب يهودي قبل ان يكون اسرائيلياً ذلك ان هذا الغرب بدأ يعاني من الارهاب نفسه الذي طال المسيحيين وغيرهم ليرحلوا وبالتالي اصبح في مرمى الهدف نفسه من مخاوف وهواجس أعمت عيونه عن التطلع نحو مناطق واقليات أخرى وهو بالكاد استطاع ان يحمي نفسه من طاعون اخترعه ورماه في هذا الشرق.

5- ان الخوف الاكبر لدى المسيحيين وفق المصدر المسيحي يتجلى بهذا الاهتمام الكبير من الاوروبيين بالنازحين من سوريين وفلسطينيين الى لبنان اكثر بعشرات المرات من الاهتمام بهم مما يوحي بأن المسيحيين اصبح النظر الى قضية وجودهم اقل من الاهتمام بباقي الاقليات التي نزحت الى لبنان وهذا يشكل مصدر خطر داهم لهم.

6- ان المسؤولية المسيحية المحلية تقضي بمراجعة سريعة من الاساس تهدف في المقام الاول الى تثبيت الوجود قبل التطلع نحو ملفات أخرى ذلك ان الرئاسة تصبح دون جدوي وفارغة من مضمونها اذا حصل المقدّر للمسيحيين وتجرعوا الكأس المرّة الأكيدة والتي يبدو ان أحداً لن يمنعهم عن تجرعها