مع غياب الكلام على جلسة حكومية تعالج أزمة النفايات المتراكمة في الطرق والشوارع، بفعل تعذر التفاهم على المطامر او الترحيل أو غيرها من الشروط التعجيزية التي تقف حائلا دون معالجة الأزمة، ينشغل الوسط السياسي بفصل جديد عنوانه “تشريع الضرورة”، بعدما هُيئت البلاد لمناخ تهويلي ضاغط حيال الاخطار المالية والاقتصادية المحيطة بسبب غياب إقرار القوانين المطلوبة.
كل الأجواء باتت جاهزة لعقد جلسات تشريع الضرورة التي لم يختصرها رئيس المجلس بواحدة على مدى يومين متتاليين في ١٢ و١٣ من الشهر الجاري. فتوسع جدول الأعمال الضيق ليشمل ٣٨ مادة لحظت مشاريع القوانين المالية والضريبية والقروض مع المؤسسات والصناديق العربية والدولية، بينما لبى الرئيس بري طلب “التيار الوطني الحر” بإدراج مشروعي قانونين حول إستعادة الجنسية وأموال البلديات، وبقي مطلب القوات اللبنانية المتعلق بقانون الانتخاب خارج الجدول.
تتكثف الاتصالات حاليا ولا سيما على محور الرابية – معراب التي زارها امس النائب إبرهيم كنعان موفدا من العماد ميشال عون بهدف التنسيق بين الفريقين المسيحيين حول المشاركة في الجلسة.
وفي حين باتت مسألة مشاركة “التيار” شبه حتمية بعدما نُفذت شروطه حيال جدول الأعمال، يبدو ان “القوات” تنحو في اتجاه البقاء خارج التشريع كما بقيت خارج الحكومة، وإن كان ثمة متسع من الوقت بعد أمامها لتعديل موقفها، خصوصا في ظل الانتقادات التي توجه الى الفريق المسيحي من أنه، وتحت شعار عدم تفعيل المجلس والحكومة قبل انتخاب رئيس للجمهورية، اوقع البلاد تحت وطأة الانهيار.
ولكن اين يقف المسيحيون من هذا الاتهام وهل هم الذين يقفون فعلا وراء شل المؤسسات؟
لا شك ان المسيحيين، على ضفتي ٨ و١٤ آذار نجحوا في شكل ما في تعطيل عمل السلطة التنفيذية نتيجة لتمسك “التيار العوني” برفضه تفعيل الحكومة قبل بحث آلية عملها في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية في غيابه، او نتيجة تمسك “القوات” و”التيار” برفض فتح أبواب البرلمان الا لانتخاب رئيس (بصرف النظر عن وجهة نظر كل فريق من المرشح الرئاسي)، لكن هذا الفريق بجناحيه ساهم في شكل كبير في دفع كرة تحميله مسؤولية التعطيل الى ملعبه، بعدما ربط مشاركته بمشاريع لا تحمل أي طابع ملح او ضروري.
فقانونا الانتخاب واستعادة الجنسية لا يشكلان راهنا، وعلى أهميتهما، أولوية ملحة، خصوصا في ظل الأوضاع المتردية التي باتت تدفع بعض اللبنانيين الى التخلي عن جنسيتهم والبحث عن جنسيات أخرى تؤمن لهم الحماية والضمان والعيش الكريم بعد الانحدار الذي بلغه المستوى المعيشي في لبنان وغياب الطمأنينة الى المستقبل. أما قانون الانتخاب، وعلى أهميته في إعادة تكوين السلطة على قاعدة انتخابات نيابية، فهو حتما لن يكون راهنا في مصلحة أي فريق سياسي أغفل ان اللبنانيين الذين يعيشون اليوم بين أكوام النفايات هم عمليا ناخبو الغد.
والمفارقة ان المكسب الوحيد الذي يقتنع به المسيحيون في هذه المعركة، أنهم نجحوا في إبراز مخاطر بقاء الدولة من دون رأس. لكن هذا المكسب يقلل الأفرقاء الآخرون أهميته على قاعدة ان الاخطار الجاسمة لا تعود الى غياب رأس الدولة وإنما لقرار إقليمي بإبقاء لبنان في مرحلة الستاتيكو حتى نضوج التسوية الإقليمية، وتبيان المعادلة السياسية الجديدة التي ستحكم النظام السياسي الجديد في البلاد.
وعليه، فإن الكباش الحاصل راهنا على المحور المسيحي لن يكون عائقا أمام إنجاز التشريعات المطلوبة بعدما ثبت أن التهويل بالمخاطر المالية والاقتصادية قائم وان التهديدات مرشحة لأن تتحول الى حيز التنفيذ إذا إستمر لبنان على تخلفه في احترام توقيعه.