قرر فريق من الناشطين المدنيين الأوروبيين (من سبع دول) القيام «بحراك كبير» دفاعاً عن المسيحيين في باكستان الذين يقول الناشطون إنهم عرضة دائمة «للعنف المزمن» منذ عقود طويلة، وإن استهدافهم في مناسبة أعيادهم الدينية خصوصاً، وأيضاً في مصادرة أراضيهم عملية مستمرة.
ولعل السنة الماضية 2016 كانت دموية بامتياز كسابقاتها. ذلك ان الهجوم على الأقلية المسيحية في باكستان خلال الاحتفال بعيد الفصح المجيد ليس الأول ولن يكون الأخير وحسبنا أن نذكر مقتل نحو 100 شخص في هجوم استهدف كنيسة مسيحية في العام 2013 في «بيشاور» (الواقعة شمال غرب الباكستان) .
وفي منتصف شهر آذار من العام 2015 تعرض المسيحيون الى تفجير كبير في منطقة «يوحنا اباد» في لاهور يومها سقط نحو مئة بين قتيل وجريح.
وما لا تبلغه الاعتداءات الارهابية المستهدفة المسيحيين على أيدي طالبان باكستان وامتداداتها، فإن السلطة كفيلة بأن تقوم به، مثل ذلك أن قاضياً في المحكمة الثالثة الخاصة بمحاربة الإرهاب في لاهور أودع نحو خمسين شخصاً مسيحياً في الحبس «الاحتياطي» بهدف الابتزاز فقط، ثم جرى إطلاقهم بعد تعرضهم للعسف والتعذيب… حدث هذا بينما لا يزال أكثر من 300 مسيحي باكستاني مجهولي المصير بحيث لا يُعرف بشكل دقيق، ما اذا كانت السلطة الباكستانية هي المسؤولة عما آلت اليه حالهم، أو انهم ضحايا أرهاب الطالبان والتكفيريين.
وفي باكستان «لا يعتبر كسب لقمة العيش أمراًَ سهلاً بالنسبة الى المسيحيين» (موقع Kantara) وهم ينتمون في أغلبيتهم الى أفقر شرائح المجتمع كونهم عمالاً عاديين، وفق الموقع ذاته الذي يورد أيضاً أن «المسيحيين في باكستان كثيراً ما يتعرضون للتمييز أثناء بحثهم عن فرص عمل» وأن الــ 86 % من المسيحيين في باكستان يعملون كعمّال نظافة للصرف الصحي والمجاري وكخدم في المنازل أو إنهم يعملون في السخرة لتسديد ديونهم (…) وتكفي شائعة مغرضة واحدة حتى يتعرض المسيحيون الى اعتداءات رهيبة كما حدث في العام 2009 عندما أحرق متشددون 76 منزلاً لمسيحيين في مدينة غوجرات في ولاية البنجاب.
ويراوح عدد المسيحيين الباكستانيين بين مليونين وسبعة ملايين فالرقم غير دقيق اذ هناك من يقول بأن نسبتهم 2.2% من مجمل الشعب الباكستاني، وسواه يقول بأنهم نحو 4% علماً ان عدد سكان الباكستان حالياً يفوق الــ200 مليون.
في اي حال فإن ما تعرض له المسيحيون الباكستانيون الذين احتفلوا بعيد الفصح المجيد واسفر عن 74 قتيلاً و342 جريحاً بالتفجير الانتحاري هو (على فظاعته) حادث في مسار طويل خطورته أنه يتوافق مع ما يجري في الشرق كلّه. فإذا كان المسيحيون في الشرق الاوسط يتعرضون الى نوع من الإبادة والتهجير على أيدي «داعش»، فإن ما يتعرض له المسيحيون في الشرق الأقصى (كما في باكستان تحديدا) يشير الى مسار اضطهادي واضح الخطوط والأهداف.
وقد يكون من المبالغ فيه الربط المباشر أو الجزم بالتنسيق بين ما ينفذه الإرهابيون التكفيريون في الشرق الأدنى وبين ما ينفذه المتشددون في الشرق الأقصى، خصوصا وأن مسلسل الاعتداءات على المسيحيين في باكستان قائم منذ ما قبل أن وُجدت «داعش» والآخرون في منطقتنا، فهناك تتحمل المسؤولية المباشرة حركة طالبان (باكستان وليس طالبان أفغانستان) بالتنسيق مع «القاعدة»… إلا أن حدّاً من التواصل بين الإرهابيين في منطقتنا والمتشددين هناك هو أمر معترف به دولياً وعلى نطاق واسع.
يبقى أن البلد الوحيد في هاتين المنطقتين الشاسعتين من العالم (الشرق الاوسط والشرق الأقصى) الذي يعيش فيه المسيحيون والمسلمون على حد سواء هو لبنان الذي الى ذلك يرأسه مسيحي…