Site icon IMLebanon

مسيحيو سوريا والعراق: ليست هذه أوطاننا!

لبنان في نظرهم «بلد مسيحي». لكنهم، في نظر مسيحييه، «مجرد لاجئين بسبب غياب الوعي المشرقي لدى هؤلاء». «الحلم اللبناني» لمسيحيي سوريا والعراق مجرد محطة وبوابة عبور الى حيث يقيمون بعيداً

الأصوات مُرتفعة داخل «النادي» التابع للرابطة السريانية في منطقة الجديدة. التسمية لا تعكس طبيعة المكان، فـ«النادي» عبارة عن «قهوة» يجتمع فيها نازحون عراقيون وسوريون، سرياناً وآشوريين وكلداناً. صور قديسين تغطي الجدران ونسخ من الكتاب المُقدس على رفوف المكتبة الخشبية المتواضعة.

هنا لا وجود للجنس اللطيف. كهول يتوزعون على طاولات معظمهم «يقتل» الوقت بـ»لعب الورق». عبود كارزو، مسؤول «النادي»، قدم من الحسكة الى لبنان مع ابنه، قبل ثلاث سنوات، فيما هاجر بقية أفراد الأسرة الى كندا. يقول: «الأغلبية هنا أتوا من الحسكة ومن الجزيرة وحلب. لا توجد إحصاءات، لكن الأرقام كبيرة. هناك نحو 5000 عائلة». لبنان بالنسبة الى النازحين السوريين «مجرد محطة لأن هذا البلد لا يريدنا. التقيت العماد ميشال عون وسألته: هل هكذا يُعامل السوريون؟ معقول هيك؟ الحفاظ على المسيحيين، إذا وجدت النية، يبدأ من هنا».

كارزو على يقين بـ«أننا هُجّرنا من بلادنا لأننا مع الرئيس بشار الأسد. مو مجاملة، بس كنا مرتاحين ومحسودين. وهذا سبب حقد الجماعات الإرهابية علينا». يؤكّد: «أريد العودة الى سوريا. أملك تاريخاً يعود الى مئات السنين. كل شيء تحت الأرض (الحضارة) ملكي، وأخاف كثيراً أن لا يعود أولادي»، لكنه يلفت الى أن قرار البقاء «صعب. إذا أردت أن أطلب من أحد البقاء فيجب أن أؤمّن له مقومات الصمود».

يعقّب «أبو حنا»، الحانق على كل شيء، عاتباً على رجال الدين: «يقفون ضدّ الهجرة؟ نحن معهم، ولكن فليحمونا على الأقل. أين نبقى؟». ويضيف: «هربت من سوريا، ولما رأيت البحر توقفت. لكن هذا بلد محسوبيات. أنا لديّ معارفي، لذلك تمكنت من تدبير أموري، لكن الله يعين غيري».

لا أرقام دقيقة لعدد النازحين المسيحيين من سوريا والعراق. احصاءات الرابطة السريانية تشير الى 1500 عائلة سورية و1500 عراقية. كل شيء سرياني في مكتب رئيس الرابطة حبيب افرام، بدءاً من علبة المحارم والكؤوس: «لتأكيد الهوية نلجأ الى التفاصيل».

يقول افرام: «المسيحيون في الشرق هم ضحايا في منطقة أقوياء. ضحايا لأن المنطقة لا تقبل التنوع». يُفرق بين هؤلاء وبين مسيحيي لبنان الذين «رغم كل ما مروا به لديهم حرية مدنية، وهذا يعني أن لا حلّ في المنطقة إلا وفقاً للنموذج اللبناني». يؤكّد أنه «لم يبقَ أحد في سهل نينوى. لا يملك المسيحيون القوة لحماية أنفسهم. أغلب المغادرين فقدوا الثقة بمحيطهم». مرّ على لبنان منذ عام 2003 «أكثر من 15 ألف عراقي، أغلبهم يعتمد لبنان محطة عبور» الى الوجهة الأخيرة: السويد، ألمانيا، الولايات المتحدة، أستراليا وكندا. السبب أن «مشاكل لبنان كثيرة، ولم يستطع أن يُشكل بيئة حاضنة لهم بسبب هشاشة تركيبته». السبب الثاني، والأساسي، هو أن «العقل الماروني لا يملك، للأسف، فكراً مشرقياً. لا يوجد وعي مشرقي لدى الموارنة. لا ينظر الماروني الى الأشوري من نينوى، مثلاً، كمكسب استراتيجي له». لذلك، هذا الملف «ربما يكون الرقم 101 في أجندات الأحزاب السياسية»، ويقول غاضباً: «المسيحية ليست فقط في كسروان فقط. لا يجب تحجيم قضيتنا»، مشيراً الى أن «واقع المسيحيين المشرقيين أليم: نحن أيتام هذا الشرق، ولا نملك أصدقاء بالمفهوم السياسي». كما أن هذا الملف ليس على أجندة أي من الدول «رغم أننا طلبنا من الروس أن يُحولوا المسيحيين في الشرق الى مشروع استراتيجي من أجل حمايتهم».

تقدّم الرابطة السريانية المساعدة للاجئين أثناء «مرورهم» في لبنان «قدر الإمكان». الى النادي، هناك مستشفى شبه مجاني. مشاكل القادمين هي، أساساً، الحصول على سند إقامة، إيجاد مكان للسكن وتأمين الطبابة والدراسة. «نحن نداوي بعض الجراحات وبعض آثار الأزمة الكبيرة»، يضيف افرام. إمكانات الرابطة المادية ضعيفة والعديد من القادمين لا يلجأون إليها إلا عندما تعترضهم مشكلة ما «فنحن أقوياء مع الدولة والأمن العام»، كما أن أبرشيات ومُنظمات أخرى تحاول العمل مع اللاجئين.

رغم ذلك، هناك مآس يومية «ونجد أنفسنا عاجزين عن إعطاء الأمل لأبناء نينوى»، لكن المثل يقول «لا تمت قبل أن يأتيك الموت». الصمود، استناداً الى افرام، هو أن يبقى المسيحيون «في العراق وفي سوريا، وإذا استلزم الأمر أن يكون النزوح داخلياً».

أحد خُدام أبرشية طرابلس الأب السوري السرياني سمير حجار، يرى أنه «كان من المفترض أن لا يترك المسيحيون بلادهم. كان واجباً عليهم أن يشكلوا كفاحاً مُسلحاً، لكنهم هربوا من القتل والعُنف». الأبونا «يعبد» رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لأنه «أسس ميليشيا ليدافع عن المسيحيين». ويأسف لأن الأبرشية ليس لديها مساعدات تُقدمها: «تصل هبات من الكنائس في الخارج، ولكن ما حدا بشوف شي».

في النادي، يفوق عدد العراقيين عدد السوريين. تتقاطع الخبريات. عصام وصل منذ شهرين من إحدى بلدات سهل نينوى «الخيار كان لبنان لأنه بلد عربي ومسيحي». بيد أنه لن يستقر فيه. 25 أسرة من أقاربه هاجروا الى أوستراليا وكندا «ما ضل مسيحي. كيف سنُدافع عن أرضنا؟ بالخشبة؟».

بات المسيحي المشرقي «يُفكر اليوم برجليه، أي بالخروج من بلاده والهجرة. لم تعد هذه الأوطان التي يعرفها»، يختم افرام.