IMLebanon

مسيحيو البقاع الشمالي لا للبارودة ولا لجواز السفر

الجزيرة الكاثوليكية ( Lilot catholique) هكذا سماها (Jacques welleresse) بلدات العين، الفاكهة الجديدة، راس بعلبك، القاع، شكّلت تاريخياً جزءاً من إمارة الحرافشة في البقاع وإن كانت أُلحقت مع التنظيمات الإدارية العثمانية بالهرمل وبالتالي جبل لبنان الشمالي.

تتميز بلدة العين بأن أهلها ينتمون إلى طوائف ثلاث، كاثوليكية، سنية وشيعية، مع تراجع ملحوظ في عدد المقيمين الكاثوليك وإن كانوا لا يزالون يحافظون على ممتلكاتهم.

أما الفاكهة فأهلها ينتمون إلى الطائفتين الكاثوليكية والسنية. وإذا كانت النسبة هي 60% كاثوليك عام 1932 و40% من أهل السنّة فإن نسبة المقترعين الحاليين أصبحت معكوسة بين الطائفتين. وإلى أهل البلدة من الطائفتين المذكورتين، نشأ فيها حي لعائلات شيعية من أهالي البلدات المجاورة ملاصق لبلدة العين وحي لعائلات من أهالي عرسال (سنّة) ملاصق لبلدة راس يعلبك.

أما بلدتا راس بعلبك والقاع فهما بلداتان مسيحيتان، علماً أنه نشأ في أراضي بلدة القاع قرية من أهالي بلدة عرسال (حوالى150 أسرة) وكذلك تملك مساحات واسعة من سهلها بعض عائلات من أهالي مدينة الهرمل الشيعية.

أما بلدات اللبوة، النبي عثمان وسائر قرى ما يعرف بالبقاع الشمالي فهي قرى شيعية باستثناء بلدة عرسال التي ترتفع حوالى 500م عن البلدات المجاورة كافة فهي بلدة سنية بشكل كامل وتقع على علو 1450م بينما بلدات السهل فهي تقع على علو 900م بشكل عام.

يعيش أهالي البقاع الشمالي يومياتهم الاجتماعية بشكل مشترك. فهم يتشاركون في أفراحهم وأتراحهم.

باستثناء الهجوم الذي شارك فيه بعض أهالي المنطقة ضد بلدة القاع، في إطار التحضير للحرب الأهلية اللبنانية ودخول الجيش الأسدي إلى لبنان، فإن أهلها يعيشون في حالة تفاعل إيجابي وتبادل يومي كما تقتضيه ظروفهم.

وبفعل الثورة السورية ومشاركة «حزب الله» فيها، نزح أهالي بلدة القصير والقرى المجاورة وبلدات القلمون إلى عرسال وبلدات البقاع الشمالي، حتى أصبح عدد النازحين السوريين موازياً لعدد اللبنانيين المقيمين إن لم يكن أكثر كما في بلدة عرسال حيث يشكل عدد النازحين السوريين ضعفي عدد أهالي البلدة أي ثمانين ألف نازح سوري.

أما الحدث الأبرز فكان سقوط صواريخ من السلسلة الشرقية على بلدات المنطقة الشيعية تحديداً، الهرمل، اللبوة، والنبي عثمان. ومع سقوط كل صاروخ، وكان يقع عادة في منطقة غير مأهولة، كان يصدر بيان عن «لواء أحرار السنة في بعلبك» ليتبنى إطلاق الصاروخ، فترتفع الأصوات محمّلة بلدة عرسال مسؤولية إطلاق هذه القذائف الصاروخية مما يرفع من منسوب التوتر السني-الشيعي على الصعيد المحلي وبالتحديد ضد أهالي عرسال.

وكان آخر إنجازات «موقع لواء أحرار السنة في بعلبك» هو بيان صدر قبل عيد الفصح المجيد الأخير، تضمن تهديداً للمسيحيين في البقاع الشمالي بتفجير كنائسهم وتشريد عائلاتهم.

إلى أن اعتقلت شعبة المعلومات مشغّل «موقع لواء أحرار السنّة في بعلبك» واعترف بأنه كان يعمل بإمرة أحد قيادات «حزب الله». فكانت المفاجأة وكانت الصدمة مع السؤال: لماذا كان هذا التحريض ضد أهالي عرسال السُنّة وإثارة الرعب هذا عند المسيحيين في البقاع الشمالي؟ وهل كان الهدف تهجير «الأقليات من منطقة نفوذ «حزب الله» الشيعية؟

وكان الجواب في الإشاعات المتتالية التي كانت تثير البلبلة عند المسيحيين في البقاع الشمالي قبل غيرهم.

وكان الجواب بالحملة الإعلامية المركزة ضد أهالي بلدة عرسال والتي استعيدت فيها أناشيد النصر ضد العدو الصهيوني مع تغيير بسيط: عرسال بدلاً من تل أبيب!

فهل كان المطلوب أن يتم تدمير عرسال من قبل الجيش اللبناني كما تم تدمير مخيم نهر البارد، من أجل تهجير أهاليها إلى غير رجعة؟ وهنا كان لافتاً قول العماد جان قهوجي: «إذا كانوا يريدون أن أقتل مدنيين وعسكريين من أجل رئاسة الجمهورية، فإنني لن أضحي بنقطة دم واحدة» رداً على الحملة التي استهدفته من قبل إعلام 8 آذار لأنه رفض استكمال معركة عرسال كما قالوا.

أمِن أجل تهجير المسيحيين يتم السعي إلى تسليحهم من قبل أدوات النظام السوري و«حزب الله؟

هذا ما يعيه جيداً أهالي وفعاليات البلدات الكاثوليكية في البقاع الشمالي، الذين يرفضون حمل السلاح المقدّم مجاناً بحجج وعناوين لا أساس لها، إلا الإشاعات المتتالية عن أن بعضهم رأى مجموعات من «جبهة النصرة» (أول من استخدم هذه التسمية كان «أبو عدس» في إعلان مسؤوليته عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري) في الجبال التي تقع فوق بلدتي القاع وراس بعلبك.

وإنه ولأسباب إستراتيجية عند «حزب الله» تبقى بلدتا راس بعلبك والقاع خارج إمكانية تولي «حزب الله» مسؤولية الدفاع عنهما، وبالتالي هي نقطة الضعف الأساسية في المنطقة في المواجهة مع «جبهة النصرة». هكذا يقولون.

إنه تهديد من جهة ورفع للمسؤولية من جهة أخرى، هذه هي السياسة الإعلامية المتبعة من قوى 8 آذار باتجاه مسيحيي البقاع الشمالي.

ففي أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975)، تم تهجير المسيحيين فعلياً من مدينة بعلبك ومن القرى المجاورة، الطيبة ودورس وعين بورضاي ومجدلون وطليا وغيرها وتم شراء أراضيهم من قبل من يدّعي حمايتهم فهل الحضور المسيحي في البقاع الشمالي مستهدف عن سابق تصور وتصميم وهذا ما يتم اليوم مع مسيحيي محافظة حمص.

لقد رفض أهالي بلدات القاع وراس بعلبك والفاكهة/الجديدة دخول عناصر مسلحة من خارج البلدة إليها بحجة حمايتها. وأقروا تعزيز حراسة عناصر الشرطة البلدية لها ليلاً، بالتنسيق والتعاون مع مخابرات الجيش رفضاً للتسلح بالبارودة التي لن تؤدي الا إلى جواز السفر.

إن وعي ضرورة حصرية السلاح بيد القوى الشرعية ووعي ضرورة وجود «الدولة» كمسمّى لمجتمع العيش المشترك، سيبقيان حتماً أداة الدفاع عن لبنان الذي لن يصادره خارج أو داخل لواء أحرار أو لواء غير أحرار…

وعبثاً تحاولون، سيبقى لبنان جزيرة آمنة لطوائفه، لن تبتلعها أشداق الأسود الجائعة الباحثة عن طريدة في طريق فرارها، ولا بالطبع أمواج الخليج «الفارسي» التي خَفَت هديرها … ولعلّ هدير طائرات الائتلاف الدولي يتركها تسكن بسلام… مشروط.