قبل أيام من جلسة «تأجيل التعيين»، قدّم ميشال عون ما أمكن من إشارات ورسائل يمكن ان تصنّف في خانة تهدئة الخواطر. المقصود بشكل اساس كان الرئيس نبيه بري الغاضب من الرابية و «جنرالها».
عشية الجلسة «كَسَرها» عون في الملف المالي ثم «جَبَرها» في ما هو أهمّ: مجلس النواب غير شرعي، بحكم التمديد، ثم رفض الطعن، لكنه قانوني.
ومن ضمن موجبات التهدئة كان القرار الصارم من جانب ميشال عون بتجنّب الصدام المباشر مع الرئيس بري «الحليف المرن الذي يعرف كيف يدوّر الزوايا» ومن ثم المهادنة داخل مجلس الوزراء، لكن الخطاب الاستيعابي المُدوزن في الرابية رافقته «شطحات» عونية من هنا وهناك، أوحت مجددا بازدواجية الخطاب وزادت في طين العلاقة المتوتّرة بلّة.
ليس تفصيلا ان يختار وزير المالية علي حسن خليل عقد مؤتمره الصحافي «على كعب» الرسائل المباشرة التي وصلته من الرابية حول مبلغ الـ 873 مليارا والاستدانة والقروض، حتى لو كانت الانظار كلها مركّزة في اليوم نفسه صوب السرايا بكل ما كان يمكن ان تكتنزه من مسبّبات التوتّر السياسي.
خليل الذي قدّم ما يشبه المطالعة التقنية والقانونية الشاملة والواقعية بشأن بعض المسائل المالية، لم يكتف بقول ما يجب قوله، بل ان مقرّبين منه يقدّمون نصيحة الى عون «بالانتباه الى من يحاول توريطه في مغالطات وأخطاء تحسب عليه وتزيد من حدّة ارتباكه وضياعه».
وعلى وقع التشنّج على خط الرابية – عين التينة عقدت جلسة ما قبل التمديد تحت عنوان أساس: وعود قدّمت لميشال عون بالعمل على «حلّ شامل» عبر تسوية لا تأخذ بالاعتبار فقط التعيينات العسكرية، وبسببها أطفئت محرّكات الاستنفار والتعبئة في مقرّ «التيار الوطني الحر» في ميرنا شالوحي ولم يشغّل «واتساب» العونيين المنتظرين لـ «أمر الرابية»، فيما غابت لغة التصعيد كليا عن بيان «التكتل» عشية الجلسة مع نصيحة بـ»الاستماع الى أصوات اصحاب الرصانة»، والمقصود هنا هو اللواء عباس إبراهيم.
لكن ما وصف بالوعود ومشاريع الحلول، لم يتعدّ في حسابات الرئيس بري سوى محاولات لحفظ ماء وجه ميشال عون بعد ان وصل الى الحائط المسدود.
قبيل موعد الجلسة، كان المقرّبون من رئيس المجلس يجزمون «بعد ان رفع عون السقف عاليا جدا ولم يجد من يجاريه في صراخه، احتاج الى مخرج. عاد الى المربع الاول فقرّر السير بقانون رفع سن التقاعد للضابط الذي سبق ان اعترض عليه، محاولا فرض شروطه في تعيينات مستعصية. ثم توسّع الحديث العوني عن تسويات ومبادرات، أحد أهم ركائزها إزالة الالغام أمام التئام مجلس النواب مجددا». فهل أصبح قانون تعديل قانون الدفاع يندرج ضمن إطار تشريع الضرورة؟.
بمطلق الاحوال، فإن المبادرة التي أطلقها مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، باتجاه القوى السياسية، يمكن في حال نجاحها ان تغيّر، وفق المطّلعين، في المسار المرسوم منذ العام 2013 بشأن التمديد للقيادات الامنية والعسكرية وفي آلية العمل الحكومي.
هكذا يصبح، بتأكيد هؤلاء، تاريخ 7 آب، محطة غير مفصلية ولا تفرض بالضرورة وقعها على مسار هذه المبادرة، إن مدّد للواء وليد سلمان شهرا او سنة، في وقت تفيد فيه المعلومات بأن قرار تأجيل التسريح لسلمان سيكون لعام واحد.
ويشير المواكبون لمبادرة اللواء ابراهيم الى ان توافق القوى السياسية عليها يمكن ان يؤمّن «تسهيل مرور» نحو مجلس النواب بعد أن يكون قد تمّ تكريس التوافق على آلية العمل الحكومي، وهو الامر الذي لم يحسم في جلسة يوم أمس.
حتى اليوم الاجواء غير مشجعة، والمشهد لا يتخطّى عتبة المشاورات بشأن تعبيد الطريق أمام بتّ هذه الالية وفتح دورة استثنائية لمجلس النواب يكون مشروع تعديل قانون الدفاع من ضمن البنود المطروحة على جدول اعمالها.
ومع استئناف جلسات مجلس الوزراء الاسبوع المقبل، يمكن لأي قرار يخصّ بتّ التعيينات الامنية، وهو أمر مستبعد حالياً، ان يلغي مفاعيل التمديد لسلمان، وسابقا لمدير عام قوى الامن الداخلي. أما في حال رسا القرار السياسي على بتّ قانون تعديل قانون الدفاع (رفع سن التقاعد للضباط)، وهو أمر مستبعد أيضا في المدى القريب، فله حسابات أخرى أهمّها «تشريع وضع» من تمّ التمديد لهم سابقا.
في عين التينة وصل اقتراح التسوية على شكل «فكرة» تستلزم، وفق مصادر عين التينة، استكمالها وإنضاج عناصرها وآلياتها، وبعدها يتّخذ موقف منها. يحصل هذا الامر في ظل ما يشبه القناعة لدى فريق بري بأن أجواء الهدوء داخل مجلس الوزراء لا تعكس بالضرورة كسرا لحالة المراوحة التي يمكن أن تطول.
على المقلب المسيحي المضاد تعليقات من نوع ان «التسوية ليست قائمة إلا في ذهن العونيين». وزير من قوى «14 آذار» يؤكد في هذا السياق «نحن نرفض المسّ بالتوازنات في الهرمية العسكرية، ونرفض النزول الى مجلس النواب للتشريع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، ونحن غير معنيين بأي تسوية وأصلا لم يفاتحنا أحد بالموضوع».
مجريات جلسة التمهيد للتمديد للقادة العسكريين أتت مطابقة لمواصفات ما توقعته الرابية. «تمثيلية» أسماء «بالجملة» من باب رفع العتب بـ «سرية» من الضباط مؤهّلين لتولّي المواقع الشاغرة. سبق ذلك إجراء شكلي برفع وزير الدفاع الى رئيس الحكومة كتابا يطلب فيه اتخاذ الاجراء اللازم بشأن شغور موقع رئاسة الاركان!
لا شيء جديدا في المسألة سوى ردّة الفعل الاستيعابية من جانب فريق عون الوزاري الذي كان يشهد على آخر مراحل تكريس منظومة التمديد، والتي قد تشمل القرار بتأجيل تسريح وليد سلمان ومحمد خير وجان قهوجي دفعة واحدة.