IMLebanon

مسيحيّو «14 آذار»: للتجاوب مع نصرالله بشرط!

فتحت المبادرة التي أطلقها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن «التسوية السياسية الشاملة» ثقباً صغيراً في الجدار السميك الفاصل بين المعسكرَين في لبنان بمعزل عما يمكن أن تؤدي اليه. فما برز من مواقف لم يحمل أيّ تشكيك او انتقاد، لكنه لم يرسم أيّ خريطة طريق يمكن أن تؤدّي الى خرق المعادلة السلبية القائمة. لماذا؟ وما هو المتوقع؟

تعتقد مراجع سياسية بارزة تواكب الحركة السياسية والحزبية في البلاد أنّ تجاهل هيئة الحوار الوطني في أول إجتماع لها أول امس الثلثاء مبادرة السيد نصرالله بشأن التسوية الشاملة بعد جريمة التفجير المزدوجة في برج البراجنة لا يعني شيئآ. فالمناسبة لم تكن تسمح سوى بنقاش إيجابي سريع لم يفتح الباب أمام الحوار المنتظَر حول سلّة «بنود التسوية».

لكن ما رسمه السيد من خريطة طريق باولوياتها شكل مادة نقاش دسمة، إذ ضمت الخريطة في متنها العناوين الرئيسة المختلف عليها بين اللبنانيين في الشكل والمضمون وهي تستحقّ التوقف عندها، ولعلّ تسمح الأجواء بالخروج من النفق الذي دخلته البلاد منذ تنامي الشغور وانتقاله من قصر بعبدا الى مجلس النواب فالحكومة، وبالتالي لا بدّ من الخروج منه بأيّ ثمن وبأسرع وقت ممكن.

وبالعودة الى مضمون المبادرة فقد قدم السيد في «سلّته الخاصة» ملفات على أخرى بشكل مقصود. فقد لاحظ الجميع أنّ المبادرة كانت مكتوبة ما يعني أنه أطلقها بتأنٍّ وعن سابق تصوّر وتصميم فقدّم بنود التسوية على طريقته ووفق أولوياته فكانت «رئاسة الجمهورية» أولوية وأدرج خلفها مباشرة «الحكومة المستقبَلية» فـ «رئيس الحكومة» ومن بعده «تركيبة الحكومة» فـ «المجلس النيابي وعمله» فـ «قانون الإنتخاب».

وبالعودة الى النصّ الحِرَفي لنصرالله يلاحظ المراقبون أنه شدّد على أهمية كلّ فكرة من هذه الأفكار وانتهى الى التأكيد بأنها «ليست شيئاً هامشياً وبسيطاً» ولا يمكن مناقشتها والوقوف عندها بـ «المجاملات وبالضغوط وبالمزايدات» بل هي «تحتاج لنقاش حقيقي»، وانتهى الى الإشارة الى «أننا كفريق جاهزون، فتعالوا لنضع الأمور الأساسية، وليس الأمور الهامشية والجزئية والجانبية… في سلة واحدة ونعمل تسوية»، ومن دون أن ينسى القول إنّ عملية من هذا النوع تعني «أنّ العالم بدا تاخذ وتعطي».

عند هذه الحدود تنتظر الأوساط السياسية في المقلب الآخر أن تأتي الأيام المقبلة بما يؤكد على أولوية مناقشة المبادرة بايجابية. فبالإضافة الى موقف «تيار المستقبل» الذي لم يتردّد رئيسه في ملاقاة نصرالله، في «يوم الشهيد» الذي شكّل مناسبة لإطلاقها، وغداة مجزرة برج البراجنة، في منتصف الطريق وبالسرعة القصوى التي اعتاد بها الحريري الرد على مواقفه منتقداً أو مرحِّباً. فنوّه بها من دون أن يأتي بجدبد عندما تحفّظ مقدِّماً «أولوية انتخاب رئيس الجمهورية» التي كانت أولوية السيد في الوقت نفسه.

وعلى مستوى مسيحيّي 14 آذار فقد رصدت الأوساط المراقبة مواقف أخرى مشابهة لتيار المستقبل إن لم تكن أكثر دقة وتقدّماً، ولاسيما لدى الأقطاب المسيحيين من قوى 14 آذار.

وفي هذا الإطار قالت مصادر مطّلعة إنّ المكتب السياسي الكتائبي ناقش المبادرة بتفاصيلها وقرّر أن يتلقّفها بايجابية وسيبادر الحزب في الساعات المقبلة الى الإتصال بالحزب عبر القنوات المفتوحة بينهما منذ فترة غير قصيرة لإبلاغه بهذا الموقف الإيجابي. وفي حال كانت المبادرة كما فهمتها القيادة الكتائبية سيُبنى على الشيء مقتضاه.

ولكن كيف فهمتها القيادة الكتائبية؟

تقول المصادر إنّ المكتب السياسي أكد على أهمية المبادرة في الشكل والمضمون والتوقيت. فهي جاءت في مرحلة حرجة تشهدها الساحتان الإقليمية والمحلية. فاستمرار المعارك في سوريا واضطرار الحزب الى خوض أشرسها على مساحة سوريا الجغرافية فرضا عليه إقفال ما أمكن من مصادر التوتر في الداخل. فعملية برج البراجنة لم يكن من السهل استيعاب نتائجها لو لم تعاونه «الهبة الشعبية اللبنانية الجامعة» التي رفضتها وسجّلت تضامنها مع الضحايا.

وعليه، لم يتّسع مسرح الجريمة للمسؤولين الذين تفقّدوه. لا بل إنّ قيادات قوى 14 آذار وفي مقدمهم وزير الكتائب سجعان قزي سبق آخرين من ابناء الصف السياسي الواحد الى المنطقة. وهو أمر لا يمكن التخفيف من حجمه وكان له رد فعل إيجابي. فلا يمكن الإستمرار بما هو حاصل من انقسامات تهدّد وحدة البلد والمؤسسات وتسهّل استهداف أيّ طرف من الأطراف.

وعلى الجميع أن يعرف إذا كان اليوم دور الضاحية قد يكون الدور لمناطق أخرى غداً. وأنّ على المخططين ومنفّذي الجريمة أن يدركوا جيداً أنّ ما أصاب أهل البرج أصاب مناطق اخرى من لبنان وأحدث الوجع والألم نفسه ولا مكان للشماتة.

وبناءً على ما تقدّم لا يمكن الحسم من اليوم الى ما يمكن أن تؤدّي اليه ردات الفعل الإيجابية على مبادرة نصرالله قبل أن تُفتح خطوط التواصل، وهو أمر لن يطول لتتكشف النتائج لعلّها تحمل بشرى سارة. فلننتظر!؟