استفاق العالم على نكبة جديدة حلت بواحدة من أقدم الاقليات في التاريخ وهم الآشوريون الذين كانوا قبل الاديان التوحيدية بزمن طويل في المنطقة وهم اليوم يهيمون على وجوههم بعدما أصبحوا هدفا لـ”داعش” في سوريا والعراق. وإذا ما راقب المرء هذا المسلسل منذ نشأته حتى اليوم لتبيّن له أن “بنك أهداف” هذا التنظيم يكاد ينضب من الاقليات وكل ذلك في ظل “إنجازات” الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية ضده بأحدث أسلحة الجو في زمننا المعاصر. وكاد العالم يتعامل بلامبالاة مع مأساة الآشوريين لو لم يعلم أن المتحف الذي يضم آثارهم كان هدفاً آخر لفؤوس “داعش” مما جعله يحرّك ساكنا ويطلق صيحة استهجان إزاء البربرية ضد الآثار التاريخية. باختصار، ما يهم العالم الغربي المتقدم هو المتحف والتماثيل لا البشر.
في موازاة ربط موضوع الوجود المسيحي في الشرق بالمتاحف يجري في الوقت نفسه ربط الاسلام بأفلام “داعش”. كل الجهد العظيم الذي بذله المخرج الكبير مصطفى العقّاد مع الممثل العملاق أنطوني كوين لتقديم الاسلام في حلة سينمائية مبدعة تراجع الى الصفوف الخلفية في شباك التذاكر أمام أفلام “داعش”. وأفيد أن إخراج فيلم إحراق الطيّار الاردني معاذ الكساسبة استغرق الوقت اللازم ليأتي متقنا بحيث أن مخرجه الاميركي أعاد مرارا تصوير اللقطات قبل أن يكتمل الشريط بإحراق الطيّار الذي جرى تصوير مشهده مرة واحدة فقط.
بين المسيحية المشرقية التي تأخذ طريقها الى متحف التاريخ وبين الاسلام الذي صار فيلما يطبّق المعايير الاميركية في صناعته تبدو المنطقة مجرد استوديو لفيلم أميركي طويل. أما سكان الاستوديو فيتمتعون ببلاهة برؤية أنفسهم في مشاهده على طريقه من يتلذذ بلحس المبرد. كان مأمولا منهم عندما اندفعت المنطقة الى ربيع كما جرت تسميته منذ أن أحرق محمد البوعزيزي نفسه في تونس عام 2010 أن يدركوا أن هناك رياح سموم ستطلق من عقالها وكانت ذروتها في الحرب السورية التي لم يوفر فيها الديكتاتور السوري أية وسيلة لإبادة الشعب السوري. وسرعان ما راحت سكرة الربيع لتأتي غيبوبة العقول التي أنتجت شتى أنواع التطرف الديني.
لا أحد يتذكر اليوم قضية فلسطين، المحرقة العربية الكبرى، بل يتابع كيف سيعقد الرئيس الاميركي باراك اوباما الاتفاق النووي مع طهران. البعض يتكهن أن واشنطن تريد أن ترى النظام الايراني في دور شرطي بالمنطقة في مقابل حث دول الخليج على إعادة ترتيب أولوياتها مع تركيا ومصر. أما في لبنان فيجري التلهي بالبحث عن جنس ملائكة رئيس الجمهورية المقبل. وحتى ينجلي الفيلم الاميركي سيبقى مسيحيو المنطقة تحت طائلة متحف التاريخ ويبقى المسلمون في قفص أفلام “داعش”، لا بل أن مرجعية إسلامية عظيمة هي الأزهر يجري سوقها إعلاميا الى متحف فتاوى التاريخ.