Site icon IMLebanon

المسيحيون والمستعمرون الجدد

 

تقترب مسألة تقاسم النفوذ في الشرق الاوسط بين الدول الكبرى ان كان من خلال الجغرافيا او سلطة فوق سلطة مما يقدم عملياً شرحاً وافياً عن انتداب جديد شبيه بالذي جرى خلال اتفاقية «سايكس – بيكو»، وللدلالة البسيطة حول هذه التحولات الاساسية في البلدان القريبة من لبنان يكفي الاستدلال على موقع الاكراد في كل من سوريا  والعراق وغيرهم من الاتنيات.

ويستعرض وزير سابق سلسلة من وضعيات وضع اليد على مجمل الدول في الشرق من قبل اميركا التي استطاعت اخضاع العديد من الكيانات إما بالحرب او الاستعمار المالي بعيداً عن ارسال عسكرييها، فهي باستطاعتها انتداب دولة دون ان تقترب اليها وذلك من خلال العنصر المالي او اشعال الحروب بين الفوارق الطائفية واختراع منظمات ارهابية وفق تصريح كبار المسؤولين في اميركا، وآخر صرعة لديهم تمثلت بالتنظيم الارهابي «داعش» وهذا ما شكل لها نجاحاً على مستوى عال من فرضيات الاستعانة بالناس على ناسهم وقتلهم او ذبحهم. هذا ما حصل للاقليات الايزيدية والمسيحية وحتى التركمانية حيث ازيلت طائفة الايزيديين من الوجود مع انها مسالمة فيما المسيحيون هجروا ارضهم وتمت عملية مصادرة منازلهم وممتلكاتهم وتهجيرهم الى غير عودة وبقي مسيحيو لبنان الذين لا ينتقص وضعهم الوجودي عن الذين رحلوا من الشرق سوى سوء حالهم السياسي وانتظار «الفيزا» للسفر الى اوروبا او استراليا.

هذا الواقع لا يضعه الوزير السابق في خانة خبث الاميركيين فحسب انما في كيفية تعاملهم مع الاحوال المستجدة وحديث الصالونات المغلقة يحكي اسراراً مخيفة حول وجود المسيحيين في اخر معقل لهم في الشرق، ذلك ان وضعهم كأقلية منقوصة النفوذ خصوصاً بعد اتفاق الطائف الذي جعلهم في مكان منعدم القرار بالرغم من ضعفهم المتأتي يوماً بعد آخر، فيما المطلوب هو واحد: الصمود ريثما تنجلي الامور الكبرى ولكن الى حينه يكون المسيحيون قد تناثروا ضمن المجتمعات الاسلامية ومجرد تابعين للمقررين الكبار وما عليهم سوى التنفيذ.

ويرى الوزير السابق ان كل ما يجري يضع المسيحيين المتبقين امام خيارات مركزية لا يمكن الهروب منها وفق التالي:

– اولاً: ان خريطة المنطقة قادمة على تحولات كبيرة جغرافية وديمغرافية وأسوأ ما فيها ان المسيحيين غير ملحوظين كعنصر مشارك في رسم المستقبل ان كان لبلده او طائفته فيما المسلمون في لبنان لديهم روافد عديدة وخيارات متكئون على دعم واسع من دول شيعية او سنية، وبالتالي فان عملية الخضوع للآتي من النفوذ غير المعروف حتى الساعة سوف يشكل واقعاً لا يمكن الهروب منه بفعل المستعمرين الجدد الذين لم تعرف هويتهم بعد.

ثانياً: ان خيار الرحيل او الهروب في ظل الاوضاع المتزايدة سلباً على المسيحيين سوف يُسجل واقعاً ذلك ان احداً لن يمد يديه لمساعدتهم لا في الشرق او الغرب وحتى لو جاءت المساعدة فلن تتعدى صفة النصحية بالتعامل مع الواقع الجديد حتى لو كان ظالماً جداً يطال مقدساتهم ومعتقداتهم وكنائسهم واديرتهم. في الزمن الماضي حدثت الواقعة نفسها التي ألمت بمعظم الطوائف المسيحية في لبنان والشرق، واذا قيل انهم عادوا واستنهضوا انفسهم فذلك مجرد هراء غير مبني على الوقائع التي تدل على ان المسيحيين في الدولة اللبنانية يتم التعامل معهم وكأنهم اما عناصر عادية او استبعادهم عن دوائر المؤسسات، ومسألة الاحتماء بالطوائف الاسلامية لم تعد تجدي نفعاً، ذلك ان هذه الطوائف نفسها يتحكم بها الخوف والفزع جراء عدم كشف هوية المستعمر الجديد للمنطقة ولبنان.

ثالثاً: في مسألة الرسالة المسيحية في الشرق يبدو حسب الوزير السابق انها موضوعة جانباً في هذه الآونة ذلك ان الوجود هو المشكلة الرئيسية والوحيدة التي تتحكم بشعبهم، اما اذا ارادوا البقاء في هذا الخضم الاسلامي الواسع فعليهم الاهتمام بأنفسهم فقط ويبتعدون عما هو مُبعد عنهم في الاساس بالمطالبة بعودةما سلبوه منه قبل ربع قرن والاحتفاظ بما تبقى لهم من وجود وان كان غير فاعل على كافة المستويات. انها الحقيقة المرة التي وصل اليها المسيحيون بعد ان كانوا يشكلون ضامنة ام الصبي وأبيه فأصبحوا بحاجة لمن يرعاهم ويتصدق عليهم ببعض المكرمات من هنا وهوامش حريات من هناك ذلك ان وحدة القرار المسيحي مفقودة ومعتلة حتى على النفايات والديموقراطية في الحساب السياسي بينهم اصابها الكثير من الكدمات وصولاً الى الضربات القاتلة.

رابعاً: ليس امام المسيحيين في لبنان سوى العمل على خيار واحد متبقٍ وهو فعل الشراكة مع الآخرين بالرغم من نقص في التوازي القوي والعددي وهذا يستلزم وحدة في الكلمة والهدف بعيداً عن شد الحبال القائم منذ عشرات السنين، والمطلوب تعاون سريع وفعال بين كافة الاطراف والبطريركية المارونية وكافة المرجعيات المسيحية من اجل توحيد الجهود الجدية لبلورة رؤية موحدة يتم الانطلاق من خلالها نحو وضع رؤية جامعة في حدها الادنى التطلع نحو تثبيت الوجود قبل فوات الاوان، والا على المسيحيين ان يصدقوا ويعلموا جيداً ان ما جرى في نينوى بحق المسيحيين وغيرها من المناطق ليس مجرد مشهد سوريالي انما واقع إقتلاع المسيحيين الذين عاشوا آلاف السنين فيها وفي يوم واحد وحيد رحلوا… الى غير رجعة!!