منذ بداية أزمة التعيينات وما قبلها وما بعدها، يصرّ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون على أنّ المعركة التي يخوضها مفصلية ومصيرية، وأنّه يقدم عليها نيابة عن جميع المسيحيين في لبنان، من حلفائه وخصومه على حدّ سواء.
بالتوازي، ومنذ بداية الأزمة كذلك الأمر، تتأرجح مواقف قوى الرابع عشر من آذار على ضفّتها المسيحيّة بين الصمت المُطبَق والنأي بالنفس من جهة، والمعارضة الخجولة والمرتبكة من جهةٍ ثانية، الأمر الذي يفسّره المراقبون بردّه للخوف على الشعبيّة، خصوصًا بعدما فُتِح «سوق المزايدات» على مصراعيه.
إلا أنّ المؤتمر الصحافي الأخير لرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، والذي عقده بعد اجتماع «طارئ» لتكتله في دارته في الرابية، استطاع أن يكسر بعضًا من «الصمت» و«الخجل» لدى خصومه المسيحيّين، وفي مقدّمهم رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل، الذي أسف للتصريحات الصادرة عن عون، وهو «قائد الجيش السابق».
وفي هذا السياق، ترفض مصادر كتائبية وضع تصريح الجميل في سياق «الخصومة» مع عون، لافتة إلى أنّ النائب الجميل أثبت منذ ما قبل تبوئه سدّة رئاسة حزب «الكتائب» أنّه يسمّي الأشياء بمسمّياتها، وأنّه لا يتردّد في الإشادة بخصمه كما في انتقاد حليفه عندما تدعو الحاجة، وقد أسهب المراقبون في محاولة تحليل وتفسير ذلك، ووصل الأمر ببعضهم إلى توقع إعلان «الشيخ سامي» الطلاق النهائي مع قوى الرابع عشر من آذار نتيجة لذلك.
من هذه القاعدة «البديهيّة»، تفضّل هذه المصادر الانطلاق، لتؤكد أنّ موقف الجميل طبيعي ومنطقي، وهي تستهجن ما سُرّب دون وجه حق عن أنّه ينفّذ إملاءاتٍ أجنبية وخارجيّة، باعتبار أنّ لقاءً جمع «الشيخ سامي» مع السفير الأميركي في بيروت دايفيد هيل. تشير المصادر إلى أنّ القاصي والداني يعلم أنّ «الكتائب» و»التيار» ليسا على وئامٍ، وبالتالي فما يفترض أن يثير الدهشة هو أن يؤيّد النائب الجميل العماد عون، لا أن يختلف معه، إلا إذا كانت هذه عادة الفريق الآخر، وبالتالي يصبح هجوم الأوساط العونيّة على الجميل بعد الانتخابات الداخلية الكتائبية أتى نتيجة إملاءاتٍ أجنبيّة معيّنة، وفق المنطق نفسه.
الأهمّ، بحسب المصادر، أنّ النائب الجميل لا يمكنه أن يكون جزءاً من مخطّطٍ لكسر أيّ مكوّن لبناني أساسي، بدليل أنّه أصلاً لم ينتفض ضدّ عون إلا عندما صوّب الأخير جام غضبه على المؤسسة العسكرية، متهماً إياها بالتقصير تارة وبخدمة مشاريع سياسية مشبوهة تارة أخرى، بل إنّ «الكتائب» كانت إلى جانب «التيار» بالمطالبة بإتمام التعيينات في بادئ الأمر، انطلاقاً من موقفها المبدئي الرافض للتمديد، علمًا أنّها تؤكد أنّ ما يُحكى عن «مؤامرة دولية على الجنرال» مضخَّمٌ ومبالَغٌ به إلى أقصى الدرجات، وإذا كان صحيحاً، فإنّ الردّ عليه لا يكون بالهجوم على المؤسسة العسكرية وإضعاف معنويات عناصرها.
هكذا، يبدو أنّ «الكتائب» باتت هي «رأس الحربة» في مهاجمة العماد عون، مستغلّة «الفرصة الذهبية» التي وفّرتها لها «القوات اللبنانية»، بعدما انكفأت عن ساحة «المواجهة» بقوة «ورقة النيات» القاهرة التي جمّدت من قدرتها على الحركة، ولذلك فهي نأت بنفسها عمليًا، بعدما وجدت نفسها عالقة بين «كمّاشة» حلفها القديم مع «تيار المستقبل» وصداقتها الجديدة مع «الجنرال»، وبعدما اصطدمت «مبادرتها» بالتقريب بين الجانبين بالعديد من العراقيل، أولها عدم وجود إرادة جدية لديهما بالانفتاح الحقيقي وغير المشروط على بعضهما البعض.
وإذا كانت مصادر «القوات اللبنانية» ترفض التعليق على الموضوع سلباً أو إيجابًا، تذهب مصادر مقرّبة منها إلى الدعوة لعدم تحميل الموضوع أكثر ممّا يحتمل، مشيرة إلى أنّ حزب «القوات» هو أصلاً خارج هذه الحكومة منذ اليوم الأول لأنّه كان يدرك أنّها ستصل عاجلاً أم آجلاً إلى «المأزق»، وبالتالي فإنّ الأزمة التي أوقعت هذه الحكومة نفسها بها طبيعيّة ومنطقيّة، ويفترض أن يكون الجميع متحسّباً لها منذ فترةٍ طويلة. أما ما يُحكى عن معركةٍ لكسر عون، فتؤكد المصادر أنّ «القوات» ستكون أول من يتصدّى لها في حال كانت صحيحة، لأنّها لا يمكن أن ترضى بأيّ سيناريو من هذا النوع لضرب زعيمٍ مسيحي لا يستطيع أحد أن ينكر حيثيته التمثيلية والشعبيّة، وإن كانت تتحفظ على ذلك لغاية تاريخه.
وبين هذا وذاك، لا يبدو أنّ «التيار الوطني الحر» يتأثر بما يُقال هنا أو هناك، ليس لأنّه لا يكترث بمواقف «شركائه» في الوطن، ولكن لأنّه يتفهّم الاعتبارات التي تدفع الصامتين إلى الصمت والمعارضين إلى المعارضة. من هنا، ترفض أوساط «التيار» إعطاء مواقف النائب الجميل الأخيرة أبعاداً كبيرة، ولا تتبنّى ما قيل عن أنّ رئيس حزب «الكتائب» انخرط بشكلٍ أو بآخر في المخطط الدولي لضرب «الجنرال». هي تلفت إلى أنّ «الشيخ سامي» في الأصل ليس بعيداً أبداً عن مقاربة «التيار» من موضوع الخلل الحاصل، بل إنّه ذهب بعيداً في قوله في فترة من الفترات إلى أننا نحتاج إلى نظامٍ جديد، انطلاقاً من إدراكه لوجود خللٍ جوهريّ في الميثاقية وفي الممارسة.
أكثر من ذلك، تتمسّك أوساط «التيار» بالمقولة القديمة الجديدة أنّ «الجنرال» يخوض هذه المعركة نيابة عن الجميع، من «القوات» و«الكتائب» وحتى أولئك الذين يسمّون أنفسهم مستقلّين، بل هي تعتبر أنّ كلّ هؤلاء مع «التيار» قلباً وقالباً في هذه المعركة، وإن أفصحوا خلاف ذلك في العلن. هي قناعة ينطلق منها «التيار»، ولا يمكن أن يغيّرها شيءٌ، لأنّ حقوق المسيحيّين المصادَرة لا تعني فريقاً دون آخر، بل هي تعني الجميع من دون استثناء…