لا تهتزّ المعادلة التي ارتسمت في أذهان مسيحيي 14 آذار، والتي أطاحت معادلة الـ «السين سين» الجديدة، برغم سماعهم خبر الاتصال الذي جرى بين سعد الحريري وسليمان وفرنجية، وإنذار أحمد الحريري حين يقول إنّ لا كلمة تعلو كلمة ابن خاله سعد في «تيار المستقبل» حتى لو فهمها البعض بأنّه يحاكي الجارة أي أبناء بيته كي تسمع الكنّة أي الحلفاء…
وفق مسيحيي 14 آذار، فشل مشروع التسوية وعادت الأمور رئاسياً وسياسياً الى مربع الصفر «ولم تعد مساحيق التجميل تنفع».
يتعامل هؤلاء مع المستجدات الرئاسية وفق قاعدة أنّ ترشيح «البيك الزغرتاوي» من جانب «الشيخ سعد»، تخطاه الزمن، وهو كان مثقلاً بعقبات جمّة اعترضت طريقه منذ البداية. ما نُصب من حواجز وعراقيل تحول دون وصول الرجل الى القصر الرئاسي، يتجاوز كمّاً ونوعاً التسهيلات التي طرحت على الطاولة الباريسية، ما أدى بطبيعة الحال الى ما يسمونها «فرملة الاندفاعة الثنائية».
بمقدور هؤلاء أن يذكروا رزمة من العوائق القادرة على جعل المشوار من بنشعي الى بعبدا شبه مستحيل، أقله حتى اللحظة، طالما أنّ رمال الساحة اللبنانية قادرة على تغيير المشهد الداخلي رأساً على عقب وفي لحظات معدودة. وأبرز هذه العوائق كما يسردها مسيحيو 14 آذار، هي:
ـ خشية «حزب الله» من «انتقام» حليفه العماد ميشال عون في ردّ فعله خصوصاً إذا شعر الأخير أنّ الحزب يبارك رئاسة فرنجية على طبق التفاهم مع الحريرية السياسية، فيذهب «الجنرال» الى أحضان «اعلان النيات» والتقرب من سمير جعجع، على حساب تفاهمه مع الحزب، وهو أمر راهن الآذاريون عليه كثيراً في إعادة شحن المناخ المسيحي ضدّ «حزب الله».
ـ سحب السعودية يدها من «الطبخة الرئاسية»، على عكس كل ما قيل عن مباركة ملكية سعودية للمبادرة الحريرية. إذ يقول هؤلاء إنّ تطورات الأيام الأخيرة أظهرت وجود خطين سياسيين في الديوان الملكي، يبدو أنّ سعد الحريري قد لجأ الى أحدهما، بينما استنفرّ سمير جعجع الآخر، وقد تبيّن أنّ رئيس «القوات» أكثر تأثيراً من رئيس «المستقبل»، ما أدى الى تراجع الدعم السعودي، ولعل أحد تعبيراته الهمس المنقول عن سفير السعودية علي عواض عسيري بعدم حماسته نهائياً لخيار فرنجية!
ـ لا يمكن الركون الى غطاء أميركي واضح، ذلك أنّ موقف الإدارة يتلخص بعدم وضع أي «فيتو» بوجه أي مرشح ماروني.
ـ وحده سمير جعجع أفصح عن مكنوناته حين اعتبر أنّ «لبنان أولاً يعني 14 آذار أولاً» (لاحقاً كان موقف النائب فادي كرم أكثر وضوحاً)، فيما يسود السكون لدى العونيين و «الكتائب» التي سربت في الساعات الأخيرة للمرة الأولى معلومات مفادها بأنها تقف ضد ترشيح فرنجية على قاعدة أن يحظى أي مرشح بإجماع المسيحيين.
في الصيفي، بدا الانطباع أنّ سامي الجميل سينضم الى «الحلف الباريسي» الناشئ ربطاً بالصداقة التي تجمعه بكل من الحريري وفرنجية، غير أن لـ «الكتائب» رواية أخرى تقول إنّ موقف الحزب واضح ولا لبس فيه، وما قيل في أعقاب الجلسة التي عقدت في بكفيا بين سامي الجميل وسليمان فرنجية، «كان مرتبطاً بالتنسيق بين العونيين والكتائب عشية الجلسة التشريعية قبل أن يتوسع ليشمل الصيفي، ولا علاقة له بأي همس خفيّ كان يحصل بين فرنجية والحريري».
ويوم استقبل الحريري سامي الجميل في العاصمة الفرنسية، عرض الأول أفكاره وبأنه يسعى لتكريس معادلة رئيس من 8 آذار ورئيس حكومة من 14 آذار. حينها ردّ الضيف أنّ هذه المعادلة تهمل وجود رئيس مجلس نواب من 8 آذار أيضاً ما يعني ضرورة الاتفاق على رئيس من خارج الاصطفافين السياسيين.
وتبيّن لـ «الكتائب» أنّ الحريري حصل على «ضمانات شخصية» من القطب الزغرتاوي بعدم زيارة سوريا في حال انتخابه وبأن يكون حيادياً في المسائل الداخلية. فبادره الضيف بالردّ أنّه يُفترض بمن يصل الى سدّة الرئاسة أن يقدّم ضمانات إقليمية ودولية بحياده عن الصراع السوري، وبأن يكون على مسافة واحدة من القوى اللبنانية وبأن يكون موقفه واضحاً من سلاح «حزب الله»… فوعد المضيف بالعمل على تأمين تلك الضمانات!
ومع ذلك، لا يجوز الحديث عن جبهة مسيحية رافضة لفرنجية لأنها لم تنشأ أصلاً حتى لو تقاربت مواقف عون والجميل وجعجع، خصوصاً أن احتمال اتفاقهم على مرشح واحد هو ضرب من ضروب الخيال.
«القوات»: لن ندعم فرنجية
ردّ رئيس حزب «القوات» سمير جعجع على دعوة النائب وليد جنبلاط، عبر «تويتر» إلى التعلم من دروس الماضي، بالقول إن «بعض الأشخاص يهتمون كثيراً بالتاريخ.. ليتهم يلتفتون قليلاً إلى الحاضر».
وفي أول موقف واضح، أعلن النائب فادي كرم أن جعجع «لا يمكن أن يدعم ترشيح فرنجية لأنهما لا يلتقيان في الكثير من الملفات وفي النظرة الاستراتيجية الوطنية».
ورأى، في حديث لـ«صوت لبنان»، أن «المفاجأة كانت بترشيح سعد الحريري، الذي ينتمي إلى قوى 14 آذار، لفرنجية الذي يُمثّل الخط المعاكس»، سائلاً «على أي أساس حصل تبنّي الترشيح والخلاف لا يزال قائماً حول معظم المواضيع ولا سيما سلاح حزب الله والحرب السورية؟».
جنبلاط: أنا الشرّ المطلق!
لوحظ أن رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط كبح جماح حماسته التي كان سيعبّر عنها بسحبه مرشحه الرئاسي «الوسطي» هنري حلو إثر اجتماع طارئ لـ «اللقاء الديموقراطي»، أمس الأول. لاحقاً عقد الاجتماع من دون تغطية إعلامية ومن دون خروج «الدخان الأبيض» المطلوب من «مدخنة المختارة». وقد عبّر جنبلاط عن ذلك بقوله إن المرحلة الحالية تذكره بما جرى منذ 27 عاماً عندما كانت وساطة المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي (مخايل الضاهر رئيساً أو الفوضى)، معتبراً أن الغريب أن البعض لا يتعلّم، ولاحظ «أن البعض من الجمهور السيادي كالبعض من جمهور الممانعة، كجلمود صخر حطَّه السيل من عَلٍ». وقال جنبلاط عبر «تويتر»، أمس: »يبدو أصبحت الشر المطلق للبعض من السياديين وللبعض من الممانعة».