التهليل الذي يبديه أنصار الأسد اليوم لتعزيز الوجود الروسي في سورية، والذي يكرّس حالة الاحتلال الروسي – الإيراني للبلاد، لا يمكنه أن يقلّل القلق على مصير الأقليّات في المشرق. بل الأرجح، أن يضاعف ذاك القلق، خصوصاً لدى المسيحيين باعتبارهم أكثر المتضرّرين من ظروف الاحتلال وتداعياته، نظراً إلى زوال أي حضور سياسي فاعل ومؤثّر لهم في الحياة السياسيّة، وقبول طيف واسع منهم الدخول في الوهم المسمى حلف الأقليّات، وهو ما تجلّى في الحالة العَونيّة في لبنان، أو المزاج العَونيّ إن صحّت التسمية، الذي تعمّم وأصاب قسماً كبيراً من مسيحيي المشرق، الذين بات مصيرهم السياسي مرتبطاً في شكل أو في آخر بمصير النظام السوري على المدى البعيد، وبالعلاقة بحزب الله على أرض الواقع.
ذاك أنّ علاقة مسيحيي المشرق المؤيدين للنظام السوري بحزب الله تتجاوز في خطورتها مجرّد خيار خاطئ وغير وطني. فمن جهة، تبدو علاقة تبعيّة وهيمنة تمنع تسوية الاختلافات الناجمة عن الفوارق الثقافيّة والاجتماعية. وتبدو، من جهة أخرى، أشبه بعلاقة التاجر “الخواجة” بقبضاي الحيّ، بما فيها من نفعيّة وطبقيّة، إذ يقوم القبضاي بحماية الخواجة وتخليصه من خصومه نيابة عنه، وهذا ما لن يمنع القبضاي من الانقلاب على حليفه في حال تغيّرت الظروف، بخاصّة أنّه يدرك مقدار احتقار الخواجة له.
وهنا تحديداً، يكمُن الوهم في هذه العلاقة، إذ يعتبر مسيحيّو حزب الله أنّ سلاحه قادر على حمايتهم وحماية الأقليّات، في الوقت الذي يمنع هذا السلاح نفسه استقرار لبنان باعتباره الجنّة المسيحيّة المشرقيّة. هكذا يتبدّى أن طيفاً واسعاً من الوعي العمومي المسيحي يُصرّ اليوم على إعادة إنتاج نسخة جديدة من الوعي الذميّ العثماني تفوق تلك السّابقة في سلبيّتها. وهو ما ظهر في تنامي مشاعر الكراهية تجاه بيئة الثورة في سورية، وعدم الاكتراث بما يحصل تجاهها من إبادة واعتداء على المقدّسات.
وما يقال في العلاقة بحزب الله يقال أيضاً في الأداء السياسي الكارثي للكنيسة في المشرق. ففي الوقت الذي تتّخذ الكنيسة الشرقيّة في سورية موقفاً أقرب الى النظام، وإن في شكل غير علني، لم تكن الكنيسة المارونيّة على مستوى ماضيها الوطنيّ. وهنا يتبدى صمتها وعجزها عن مواجهة المخطّط الروسي الحثيث، السّاعي الى إعادة الأمجاد الإمبراطوريّة والانتقام التاريخي المتمثّل بالهيمنة على الكنيسة الشرقيّة واستعادتها.
في كل حال، لا يملك المرء إلا أن يتمنى أن يستفيق أولئك المسيحيون قبل أن يأتي يوم يَرَوْن فيه أعلام إيران وحزبها فوق الكنائس، كما حدث مع شركائهم المفترضين في الوطن.