لا يمكن القول أن الكتائب أخطأ ببقائه أسير تاريخه في الدفاع عن لبنان وسيادته واستقلاله، كما في الدفاع عن مسيحييه وجوداً ودوراً سياسياً فاعلاً ونمط حياة. لكن يمكن القول أنه تَشَارَك والغالبية الساحقة من القادة المسيحيين في عدم اختيار السياسة التي تحقق أهدافهم وتحمي جمهورهم (“شعبهم”) في ظل عيش مشترك مع المسلمين وعدم إشراكٍ في الانتماء الوطني. ومضمونها واضح جداً وهو تطبيق المادة “95” من الدستور اللبناني، وتطوير النظام مع المحافظة على الصيغة والميثاق الوطني، وإزالة الغبن الذي كان يشعر به المسلمون رضائياً وليس تحت ضغط السلاح والتهديد باستعماله، ولا ضغط الوجود الفلسطيني المسلح ثم التدخُّل السوري المبرمج وقبله تدخُّل مِصر. وفي مقابل ذلك سيزول خوف المسيحيين على وجودهم والدور وعلى الكيان الذي ربما لم يُنشأ لولاهم، أو هكذا يفترض. ولا يمكن القول أيضاً أن الكتائب أخطأ، بعد انتهاء الحروب الرسمية في لبنان ولاحقاً بعد خروج سوريا عسكرياً منه واستمرارها فيه مخابراتياً وسياسياً، في محاولة إعادة بناء نفسه بعدما خرج في مرحلة ما عن خط مؤسسه التاريخي الشيخ بيار الجميل، وأنه يجب أن لا يشعر بالمرارة جرّاء تراجع وضعه الشعبي “ومُصادرة” أحزاب وتيارات مسيحية خرجت من رحمه شعاراته واستعمالها من أجل تأسيس حيثيات شعبية لها ونجحت في ذلك، وأنه يجب أن لا يعمل من أجل استعادة وضعه وشعبيته ودوره. لكن يمكن القول أن أخطاء عدة ارتُكبت في أثناء عملية استعادة الوهج والدور وخصوصاً منذ عام 2005. فالعمل يعني التعاون المشروع ولا يعني التصارع وهو ما حصل، ولا يعني “التأرجح”، وهو ما حصل، ولا يعني مدّ اليد إلى أصحاب المشروع الآخر والاستعانة بهم من أجل العودة إلى الساحة بزخم، فالمسيحيون هم الذين يُعيدونه لا المسلمون ولا المسيحيون المتحالفون معهم وخصوصاً بعدما “رحلت” سوريا عن البلاد. والعمل يعني عدم تكرار الصراع الذي كان بين الأخوين أمين وبشير الجميل والذي كان له آثار سلبية جداً على المسيحيين وتحديداً على الحزب. وهو أمر توجد إشارات إليه بين ابني العم الرئيس الجديد للحزب سامي وابن الرئيس الشهيد بشير، واذا كان صراع “الأخوين” لم يمنع “إنجازات” معينة وإن غير مكتملة فإن صراع اليوم إذا حصل سيبقي الكتائب في وضع “مُترجرج”. فطموح مسيحيي الكتائب كما كل المسيحيين يجب أن يكون عودة فاعليتهم إلى الساحة الوطنية كلها بقبول المسلمين. أما ساحة الأشرفية أو ساحة المتن فضيّقة عليهم كلهم. ويقتضي ذلك اكتمال نضج القيادات الشابة في الكتائب سواء كانوا من آل الجميل أو من غيرهم، كما يقتضي ابتعاد الرئيس الجميل عن “الحزب” وعدم استخدامه في معركته الرئاسية.
ولا يمكن القول أخيراً أن حزب الكتائب لا يحق له أن يرشح قيادياً فيه للرئاسة. لكن الشخص الوحيد المؤهل كتائبياً للترشيح هو الرئيس الجميل نظراً إلى “شباب” رئيسه وقياداته. إلا أنه غير مؤهل لبنانياً وأعتذر عن هذا الكلام رغم صحته. فتجربته الرئاسية لم تكن ناجحة ليس فقط بسبب ظروف الحرب والمداخلات الخارجية فيها بل لأسباب أخرى يعرفها هو جيداً وكذلك اللبنانيون. ربما يكون أبرزها اقتناعه عام 1982 بأنه قادر على حل أزمة لبنان ورفضه إدارتها في انتظار تطورات محلية وإقليمية ودولية تسمح بحلها، وإصراره على تسوية حسابات داخلية مسيحية أو حزبية وكذلك مُسلِمة رغم وصوله إلى الموقع الأول في البلاد، وأخيراً عدم استقراره على سياسة واحدة وعدم وضعه استراتيجيا شاملة وتشاطُره. علماً أن منافسيه الرئاسيين هم من العيار نفسه أي لا يصلحون مثله لأنهم “مجرَّبون” أيضاً وإن في مواقع مختلفة. انطلاقاً من ذلك يمكن القول الآن أن الكتائب يخطئ في وضع شروط لتأييد مرشح للرئاسة. فهو جزء غير كبير من الناخبين المحليين المسيحيين، وعلى تنافس ظاهر وإن غير معلن مع معظمهم. وهو على تناقض مع المسلمين سنّة وشيعة، رغم محاولته التميُّز باستعداده للتكيّف “إذا لاقانا الآخر في منتصف الطريق”، علماً أن هؤلاء كلهم ليسوا الناخبين. فهؤلاء اثنان إيران والسعودية ونقطة على السطر. وما يجب أن يفعله هو التنسيق مع المسيحيين الذين يشاركونه الخط العام والمسلمين الذين يشاركونه الخط الوطني. ولا ضير في محاولة الانفتاح على مسلمي الخط الآخر ومسيحييه ولكن من دون خلفيات خاصة. إلا أن نجاحه في ذلك يقتضي من المسيحيين الآخرين أن يفعلوا مثله وهم ليسوا في هذا الوارد.
هل أخطأ العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري و”حزب الله”؟ وهل أخطأت بكركي؟