قيادي في التيار الوطني الحر
إنّ دور المسيحيين مرتبط بهويتهم ودعوتهم، ودورهم أن يكونوا ملحاً ونوراً وخميرة في قلب المجتمعات حيث يعيشون، «فالسراج، كما قال السيد المسيح، لا يوضع تحت المكيال بل على منارة ليضيء جميع الذين في البيت هكذا فليضئ نوركم امام الناس ليروا أعمالكم الصالحة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات» (متى 5/14-16)، وعندما لا نكون نوراً وملحاً وخميرة فإننا نتحوّل كياناً جامداً متحجّراً يكون عبئاً على نفسه وعلى مجتمعه (من رسالة الحضور المسيحي الصادرة عن مجلس البطاركة الكاثوليك عام 1991).
اللهم ساعدهم ليبقوا نوراً وملحاً وخميرة.
لطالما اتَّهم المسيحيون شركاءهم في الوطن بأنهم يملون عليهم إرادتهم فيأتون بنوابهم ووزرائهم وحتى برؤسائهم، ويستولون على الوظائف والمراكز الأمنية والإدارية، وها هي بالتجربة وعند أهمّ مفصل من مفاصل الحياة السياسية، وهو إستحقاق إنتخاب رئيس الجمهورية، تجدهم يتلكّأون في الإتفاق في ما بينهم على سبل مقاربة الإستحقاق، فيفرضون على الآخرين ما يعتبرونه وما هو مُفترض حقّاً لهم.
لطالما أراد المسيحيون التماثل مع شركائهم في إختيار نوعية الرؤساء والمسؤولين في المراكز الحساسة، ولطالما نادوا بضرورة أن يكون القويّ بين بني قومه هو المتبوّئ للمراكز أسوة بغيره، إلّا أنّ الخلافات المستحكمة وإستجلاب المعارك الخارجية وإسقاطها على المجتمع المسيحي كانت كافية لحَذف أيّ إمكانية للإتفاق على هذا القوي والإقتناع والتسليم بأنّ الإتفاق على هذه الثابتة قد تسمح في المستقبل للمسيحيين وحدهم لا شريك لهم في إختيار قادتهم وزعمائهم.
إنّ إصرار المسيحيين على أن يكونوا «كومبارس» في الحفلات العسكرية والسياسية الصاخبة والمميتة التي تدور في الإقليم، سوف تمنحهم شرف التصفيق لنجاح التسويات القادمة، فأيّ فخر هو هذا الذي يدَّعيه البعض بقدرته على وقف عجلة التسويات الآتية لا محالة من دون أن يكون له حق الإعتراض على فواصلها ونقاطها، وللمسيحيين تجارب مرّة معها منذ 1975 حتى الأمس القريب.
ألم يستشعر المسيحيون أنّهم مجبرون على التوقف للتأمل والتفكير والتقويم والقراءة، لبلورة إنطلاقة سياسية جديدة، وليروا ما هو الصحيح الذي ساروا به وما هو الخطأ؟ ما هي المتغيّرات التي مروا بها وما هو الأفق؟ ما هي المعطيات المتوافرة اليوم وما هو المسار؟ ما هي الظروف المحيطة القائمة والمقبلة وما هي الخطوات الواجب إتخاذها للتاريخ؟
ففي ظل ما يمر به المجتمع المسيحي اليسوا مجبرين على التفكير بهدف واحد؟
اليست هذه التساؤلات أهمّ وأجدى من التلهي بالنعوت والتشفي؟ أليست هذه التساؤلات هي ما يتوقعه الشباب والمجتمع من زعمائهم؟ اليس بمستغرب أن يلجأ المسيحيون الى الإستقواء بالمجموعات الأخرى بدلاً من أن يلتفوا بعضهم على بعض؟
إنّ اكثر ما ينقصهم أن يكونوا مسيحيين تجمعهم الهوية والإنتماء والطرح والهدف، فإذا كان التنوّع في السلم علامة غنىً، فإنه في الحرب بداية إندحار وإندثار، ونحن نمرّ في حالة حرب.
فالطوائف الأخرى إستطاعت من دون أن تدري أن تتَّحد لضمان بقائها، وهي إستطاعت في ظلّ صيغة حكم بالية تحكم حياتنا السياسية منذ 1990 أن تعتني بجماعتها.
سلوك غريب هذا الذي يسلكه المسيحيون وكأنهم يستهوون أن يكونوا من أهل الذمة، وكأنّهم يختارون جهة الشمال من دون أن يطلب منهم أحد أن «يأشملوا».
كلّ شيء يكون صعباً قبل أن يصير سهلاً، كلّ شيء يبدو مستحيلاً قبل أن يتَبلور في أوّل خطوة.
الجرح ينزف والوقت يمرّ والفرز يقزز النفوس والمسيح لم يرسل تلامذته ليهتمّوا بشؤون الدنيا، بل ليكرزوا ويشفوا الناس من أمراضهم، الكرازة والشفاء هذا ما اوكلهم به.