أصابت شظايا الثورة التي انطلقت في 17 تشرين الأول العلاقات بين المكونات المسيحية وعلى رأسها العلاقة بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحرّ” التي كانت أساساً تعاني منذ زمن وانفجرت بعد كشف “القوات” عن أوراق “إتفاق معراب” وخفاياها.
خفّت حدّة التوتّر في الشارع المسيحي الأسبوع الماضي، في حين عادت التحركات مساء أمس ولا سيما في منطقتَي جل الديب والزلقا، لتدلّ على أن غياب الساحة الموحّدة لا يقف عائقاً أمام التحركات في المناطق المسيحية. وفي هذه الأثناء، بقي سقف الخطابات مرتفعاً، فالمرجعية المارونية الأولى، أي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لا يزال يُطلق المواقف المؤيّدة للثورة ويُهاجم الطبقة السياسية الحاكمة من دون استثناء، مطالباً بالإسراع بتأليف حكومة إختصاصيين مصغّرة، وكان موقف مجلس المطارنة أمس أكبر معبّر عن توجهات الكنيسة المارونية.
من جهته، يحافظ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على سقف مطالبه، وأبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تمسّكه بحكومة اختصاصيين مستقلة، فيما نشاط المناصرين لا يزال كما هو على وسائل التواصل الإجتماعي.
ويؤكّد حزب “الكتائب اللبنانية” أنه ماضٍ في مواجهة الطبقة السياسية الحاكمة، بينما يشكو أنصاره من أنهم مكبّلون وغير قادرين على التحرّك على الأرض وخصوصاً في المتن الشمالي.
بدوره، يُطلق السفير البابوي جوزف سبيتري مواقف علنية داعمة للثورة، ولا يزال قسم من الرهبانيات الحبرية التي تتبع الفاتيكان بشكل مباشر في نشاطها من أجل دعم الثورة.
لكن كل هذه العوامل لم تُترجم على الأرض تحرّكات أخيراً، فلحظة اندلاع الثورة كانت ساحات المواجهة الأقسى تمتد من زغرتا والكورة والبترون مروراً بجبيل وكسروان والمتن والأشرفية وصولاً إلى الشفروليه، وفجأة اختفت كل تلك النقاط.
ووسط الحديث عن شيء ما حصل خصوصاً بعد الإعلان عن لقاء موفدي جعجع الوزير السابق ملحم رياشي ومدير مكتب جعجع إيلي براغيد الرئيس عون في بعبدا، سرت أخبار أن تسوية ما حصلت بين “القوات” وعون تمّ على أساسها لجم هجوم رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ونواب “التيار” على “القوات”، في مقابل انسحاب المناصرين القواتيين من الشارع، وتطمين “القوات” من خلال الحكومة العتيدة وعدم عزلها حتى لو لم تشارك، وإعادة إحياء “تفاهم معراب”.
لكن كل هذه الأقاويل لم ترتقِ إلى مستوى الحقيقة حسب المتابعين على الأرض، لأن القواتيين هم جزء من مشهد الثورة وليس كلّه، والناس نزلت بشكل عفوي سواء في المناطق المسيحية أو غيرها من المناطق، وهناك مجموعات شاركت في التحركات حتى من مناصري “التيار الوطني الحرّ”، وفي السابق كان اتهام “القوات” بأنها هي من تقوم بالثورة لإسقاط عهد عون، والآن الإتهام معاكس وهو ما يتم الترويج له من أنها انسحبت من الثورة ما أفقدها شرعيتها المسيحية.
“القوات” تفصل بعبدا عن “التيار”
بعض العاملين على الأرض يرون أن التراجع حصل في كل الساحات وليس في الساحة المسيحية مع أنه لم يعد الفصل جائزاً بين المناطق والطوائف، وحتى مشهد ساحة الشهداء الأحد الماضي لم يكن كما سابقاته، فالناس تريد تحديات جديدة وأموراً تحمّسها من أجل النزول، وبعض الناس بدأ يشعر بالتعب. من هنا فإن الناس يريدون تحقيق الأهداف وليست غايتهم إقفال شوارع، فإذا تشكّلت حكومة لا ترضي الثوار ستنزل الناس الى الشوارع من كل الطوائف والمناطق.
وعودة التظاهرات أمس في المناطق كافة ولا سيّما في ساحل المتن تُشكّل أكبر دليل على أن اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً لا يزالون في قلب الثورة ونبضها.
لكن الأمر الاساسي الذي خفّف من الإندفاعة أو إظهار الحراك في الشارع المسيحي هو القرار الحازم والحاسم للجيش والقوى الأمنية حيث أُبلغت جميع القوى بأن قطع الطرق خط أحمر، وهذا ما حصل، والدليل فتح الجيش طريق الناعمة باستعمال القوة الخشنة، كما ان البطريرك الراعي أعلن مراراً أنه ضدّ قطع الطرق على الناس، في حين ان الجمهور من المناطق المسيحية يشارك بكثافة في تظاهرات ساحة الشهداء ولا ينتظر الدعوات الحزبية.
ويؤكّد أحد المطارنة الذي يعمل على خطّ دعم الثورة أنّ الناس كلهم منتفضون، والثورة تحظى بغطاء بكركي، بدليل المواقف التصاعدية للراعي. ويشدّد على أن التواصل حصل منذ اليوم الأول مع قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي أكّد على “حماية المواطنين لأن الجيش اللبناني هو جيش الشعب وليس جيش نظام، لكنّ قطع الطرق لم يعد جائزاً”، وبالتالي فإن التظاهر يجب أن يحصل في الساحات وهنا تكمن المشكلة، إذ إنه لا توجد ساحة كبرى في المناطق المسيحية، ويبحث الثوار عن استحداث ساحات لكن هذا الأمر يحتاج إلى أموال ووقت وهذا غير متوفّر حالياً.وبما أن البطريركية ماضية في الثورة، فإن “القوات” تؤكّد أنه لا يوجد أي تفاهم مع “التيار الوطني الحرّ” على عدم التحرك في الشارع، وإذا كان التلميح للقاء بعبدا فإن هذا اللقاء لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بموضوع العلاقة بين “القوات” و”التيار” لأننا نفصل العلاقة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة “التيار الوطني” بمعزل عمّا اذا كانت الرئاسة تفصل أو لا.وتنطلق “القوات” من نظرتها بأن رئيس الجمهورية هو رئيس البلاد وأعلى سلطة فيها وبالتالي من واجباتنا عندما تكون هناك أي رسالة أن ننقلها له وعلى هذا الأساس تم نقل رسالة لها علاقة بالاستحقاق الحكومي وشجّعناه على تقريب موعد الإستشارات وتأليف حكومة تكنوقراط.
وتؤكّد “القوات” أنه لا يوجد أي كلام لا من قريب أو بعيد لإحياء اتفاق معراب أو إقرار أي تفاهم والإتصالات مع باسيل مقطوعة، وتحصل أمور غبّ الطلب في مجلس النواب مثلما كان يحصل في مجلس الوزراء، لكن التنسيق في أمور لها علاقة بحراك الشارع أو غيره غير موجود لأن الشارع يتحرّك بشكل عفوي.