الجميع في انتظار ما ستبتكره الثورة
تحضيرات خجولة وزينة قديمة في الشوارع والساحات
يتحضّر لبنان لاستقبال عيد الميلاد بطريقة مختلفة هذه السنة. عيد بلا دولارات. عيد بلا زينة. عيد بلا عمل. عيد بلا مغتربين. عيد بلا هدايا رغم الحسومات والـ”Black Friday” في المحلات. الثوار، ما زالوا في الساحات، يتحضرون لتزيين شجرة الميلاد “الثورية” بمطالبهم، لعلّه يولد لبنان من جديد مع ولادة السيد المسيح.
لا شيء يسير على الموعد في لبنان تحضيراً لعيد الميلاد هذه السنة، سوى ولادة طفل المغارة. يسوع وحده على الموعد. لم تلبس الشوارع حلّتها الميلادية بعد. الثوار يتحضرون لوضع شجرة الميلاد في ساحة الشهداء في بيروت وفي ساحة صيدا. يثقون بقلة ضمير حكامهم ثقة عمياء. يعلمون أنهم سيحتفلون بعيد الميلاد وسيستقبلون رأس السنة في الشارع. في هذا الاطار، تجرى التحضيرات على قدم وساق في ساحة الشهداء. تهتم المجموعات بالتنسيق في ما بينها، لتجهيز برنامج خاص بالميلاد ورأس السنة، يجمع كل أبناء الوطن والهيئات الموجودة على الارض تحت حدث واحد ضخم، بعيداً عن الأحزاب والطوائف. لا قرار نهائياً بعد في ما يخص شكل الشجرة أو الشجر التي ستوضع في الساحة.
من اجتماعات بيروت، الى اجتماعات صيدا التي لم تقرر لجنة النشاطات فيها بعد المواد التي ستصنع منها شجرة العيد، فيمكن أن تكون شجرة خضراء تقليدية أو أن تصنع من دواليب، للدلالة على أنّه يمكن استعمال الاطارات لأهداف اخرى غير إشعالها.
على أي حال، مهما كان “شكل” شجرة العيد التي ستبصر النور في الأسبوع الأول من كانون الاول في صيدا، فانّ زينتها سترتكز على مطالب الثوار التي ترفع يومياً، أبرزها: استعادة الاموال المنهوبة، الانتخابات النيابية المبكرة على قانون عصري وحديث، تشكيل حكومة انتقالية انقاذية، تلبي رغبات ومطالب الشعب بالاضافة الى المطالب المعيشية من ماء وكهرباء وفرص عمل وطبابة. ويؤكد الثوار في صيدا لـ”نداء الوطن” أنّ “بدل أن نعيّد العيد في سهرة عائلية تقليدية في بيوتنا كما جرت العادة، سيحتفل ابناء الوطن سوياً، كعائلة واحدة كبيرة من مختلف الطوائف… العيد في الشارع سيحمل رونقاً خاصاً”.
جرت العادة، أن تتنافس البلديات في ما بينها بالزينة وشكل الشجرة وارتفاعها وكبر المغارة، طامحةً ليس فقط بالتفوق على زينة بلدية زميلة لها في لبنان، بل للوصول الى الشهرة العالمية. كذلك، تساهم هذه الخطوة في تنشيط وتنمية العجلة الاقتصادية في المناطق. هذا التقليد انطلق منذ سنوات من “جبيل” تحديداً، التي رفعت مستوى المنافسة وخصوصاً مع وصول شجرتها وزينتها الى العالمية. الّا أنّ كلفة زينة الفرح التي ينتظرها اللبنانيون في ساحات قراهم ومدنهم لن تستطيع البلديات تحملها هذا العام.
جبيل بحلة العام الماضي
جبيل، لبست حلتها الميلادية القديمة هذه السنة، بعد أن كان النائب زياد حواط قد قصد مدينة ستراسبورغ الفرنسية مع وفد من بلدية المدينة، لتوحيد الزينة بينها وبين جبيل، والاتجاه الى تزيين المحلات التجارية في شارع المدينة وليس الاماكن العامة فقط. الّا أنّ الأوضاع الراهنة التي يمرّ بها لبنان، والظروف الإقتصادية الصعبة التي تعانيها البلديات كما كلّ المؤسسات، أجبرت جبيل على تزيين الشارع الروماني بشجرة ومغارة ميلاد العام الماضي، كي لا تمرّ فترة الأعياد مرور الكرام. وقال رئيس البلدية وسام زعرور لـ”نداء الوطن”: “أحضرنا 650 شجرة خضراء من نوع”Cypres de leyland”، وشكّلنا بها أعلى شجرة خضراء، وسنقوم بزرعها في كل انحاء المدينة مع انتهاء العيد، تماماً كما فعلنا العام الماضي”.
جبيل في ستراسبورغ
وغاب حفل اضاءة شجرة العيد عن مدينة الحرف هذه السنة، واقتصر الموضوع على الصلاة لمباركة المغارة برعاية راعي الابرشية المطران ميشال عون، مع الكهنة ورؤساء الاديرة يوم الإثنين ( 2 كانون الأول) في المقابل، حلّ لبنان ضيف شرف على مدينة ستراسبورغ هذه السنة، مع لفتة خاصة لجبيل. وافتتح رئيس بلدية المدينة الفرنسية يرافقه سفير لبنان في باريس رامي عدوان والنائب زياد حواط القرية اللبنانية المخصصة للتعريف بالمنتجات اللبنانية وللتسويق للسياحة في لبنان في إطار فعاليات سوق الميلاد 2019 في مدينة ستراسبورغ. وكان لافتاً حضور عدد كبير من اللبنانيين المقيمين في الدول المجاورة لستراسبورغ وخصوصاً من ألمانيا وهولندا وسويسرا واللوكسمبورغ علماً بأن سوق الميلاد الذي تمتد فعالياته حتى 30 كانون الأول يستضيف سنوياً حوالى مليوني زائر. ولهذا الحدث رمزيات اساسية، اشار اليها السفير عدوان، أبرزها: أولاً المساهمة في تجذر أصحاب الصناعات الغذائية التقليدية في أرضهم من خلال مساعدتهم على تسويق منتجاتهم في الخارج حيث يشكل هذا النشاط الاقتصادي رافعة للاقتصاد اللبناني في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان. ثانياً، أن تستضيف ساحة تحمل إسم غوتنبرغ، مخترع أول مطبعة في العالم، قريةً لبنانية علماً بأن المطبعة الاولى في العالم العربي موجودة في لبنان ما يدل على الغنى الثقافي والتربوي والعلمي الذي لطالما ميَّز ثقافة لبنان وشعبه. وأخيراً أن تكون مدينة جبيل، مهد الأبجدية، شريكةً في هذه القرية، ما يزيد من رمزية الحدث والمناسبة. وستتواصل النشاطات الثقافية والشبابية التي تنظمها سفارة لبنان لدى فرنسا في ستراسبورغ، بالتعاون مع أبناء الجالية حتى اختتام فعاليات سوق الميلاد، ومنها: ندوة عن السياحة الدينية في لبنان بالتعاون مع المكتب السياحي اللبناني في باريس، لقاء شبابي وطلابي يجمع الطلاب اللبنانيين والأجانب حول آفاق التعليم العالي في لبنان وإمكانية التبادل الجامعي المتاحة لهؤلاء، وورشة عمل للأطفال بالتعاون مع دار نشر سمير اللبناني بهدف تعريف الأصغر سناً على بعض المعالم الأثرية اللبنانية.
تقشف في زينة تنورين
من جبيل وستراسبورغ الى تنورين، التي تعمل على تزيين شوارعها، وتحاول أن تكون جاهزةً في 15 كانون الاول لاستقبال العيدين. تعاني البلديات أيضاً من الوضع الراهن، فالدولة اللبنانية لم تسدد مستحقات وعائدات بلدية تنورين في الصندوق البلدي منذ العام 2017، ما انعكس تقشفاً حاداً في نفقاتها. ولكن من غير الطبيعي ألّا تحتفل أكبر البلدات المارونية في الجبال بالعيد مهما اشتدت الأحوال، بحسب رئيس البلدية سامي يوسف الذي شرح أنّ “تنورين لا تشبه سائر الضيع نظراً لكبرها، فالزينة فيها ليست مركزية، ما يفسر ميزانيتها المرتفعة، فعلى البلدية تزيين 4 ساحات اساسية: ساحة تنورين الفوقا، ساحة تنورين التحتا، مُجمع مار ضومط في وطى حوب، ومار يعقوب في وادي تنورين. وسنعمد الى استعمال زينة العام الماضي، مع ادخال القليل من التعديلات نسبةً للوضع الراهن. كذلك، لن ترافق الالعاب النارية موعد اضاءة الشجرة كما جرت العادة، ولكن بالطبع لن يتغيب “بابا نويل” عن توزيع الهدايا في كل بلدات تنورين كما كل سنة”.
عروس البقاع تخفف نشاطاتها الميلادية
عروس البقاع زحلة، لم تلبس بعد حلتها الميلادية، بعد أن حبست زينتها العام الماضي انفاس زوارها. المشاروات ما زالت قائمة، ولكن بشكل عام ستتم الاستعانة بزينة العام الماضي مع تخفيف نسبة منها، لخفض كلفة الصيانة والتركيب. كذلك، ستخفف النشاطات الترفيهية الخاصة بالميلاد التي تمولها البلدية. وأشار رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب لـ”نداء الوطن”، الى أنّ “قلبنا أسود لا يشبه عيد الميلاد، ولكننا سنحاول ادخال الفرح الى قلوب الزحالنة قدر المستطاع. وكما جرت العادة، لن تغيب القرية الميلادية عن العيد في زحلة، حيث يعرض فيها الأهالي اعمالهم الحرفية، والمونة الزحلاوية، رغم معرفتنا المسبقة بتراجع القدرة الشرائية”.
المتن…”بأية حالة عدت يا عيد”
لا يشعر من يقوم بجولة في شوارع المتن أنّنا في شهر الميلاد، أمّا شوارع جل الديب فتغيب عنها الزينة الميلادية، واقتصرت على القليل منها أمام المحلات التجارية. كذلك الأمر في الزلقا، التي تقتصر زينتها حتى الآن على 3 أشجار موزعة في السوق التجاري، إحداها غير مضاءة بعد. نتقدم قليلاً الى الـ”نيو جديدة” التي لطالما تميّزت بزينتها وصنفت في العام 2000 من قبل شبكة الـ”CNN” من بين أجمل زينة ميلادية في العالم، واحتلت المرتبة الثالثة على أعوام عدة، بعرض فني فريد من نوعه. مشهد السوق الجاري في الـ”نيو جديدة” لا يشبه نفسه في هذه الفترة من السنة. لا زحمة على المحلات، ولم تضء بعد الزينة الثابتة المخصصة لهذه الفترة بالذات. كذلك، شوارع تحويطة فرن الشباك، وعين الرمانة، فليست على أفضل حال، وكأنها تعيش حداداً لا شهر أعياد، فهي كئيبة ومعتمة بالكامل، وحتّى أنها حرمت من ضوء البلدية فيها. وبخلاف الشوارع أتمت الـ”سنترات” زينة العيد آملة استقطاب زوّار يتفرّجون يتسلّون ويتبضّعون. أمّا العاصمة بيروت، فما زالت عارية من حلة العيد، بعدما أثارت زينتها العام الماضي بلبلة بسبب قرار المجلس البلدي بدفع مليون دولار لجمعية ” BEASTS “. ولم يتخذ المجلس البلدي حتّى كتابة هذه السطور، قراره بعد بشأن زينة هذا العام. فهل يوفر الثوار على البلدية، ويهتمون بأنفسهم بتزيين “بيروت” على طريقتهم الثورية؟