أثبت اللبنانيون أنهم يعشقون الحياة ويتمسّكون بأهدابها بالرغم من الظروف كلّها وليس فيها شيءٌ من دواعي الفرح أو البهجة لمن يستسلم لها، ولكن هذا الشعب الحيّ يقارع الموت بإرادة الحياة، ويغالب القهر والظلم والجوع بالعزم والصمود والصلابة، ويقاوم الحرب وتداعياتها برغبةٍ متأصلة فيه لتجاوز السلبيات مهما عظمت، حتى ولو كانت حرباً عدوانية يشنها الصهاينة، برابرة هذا الزمن الشنيع، بكل ما يملكون وما يتجذّر فيهم من بربرية ووحشية وشهية للولوغ في دماء الأبرياء.
ولقد بيّنت الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد أن إرادة الحياة ليست وقفاً على منطقة، ولا هي ميّزة لفريق دون الآخر أو لجماعة دون سواها أو لمذهب بذاته وطائفة بعينها، إنما هي متأصّلة في اللبنانيين جميعهم، ولم يحدّ منها سوى الضائقة الاجتماعية بحدود نسبية.
ومن باب الإنصاف القول إن فرحة العيد كانت، ولا تزال، منتَقَصَةً احتراماً للشهداء الأبرار تضامناً مع ذويهم… وكذلك كانت الأيدي على القلوب من أن تتدحرج الأوضاع القتالية، في الجنوب، الى حيث خروجها عن «الكونترول» فيتعذر ضبطها والسيطرة عليها، ما قد يقود الى كوارث، لا شكّ في أن أحداً لا يريد لها أن تصبغ العام الجديد بالدماء القانية، ولا أن ترسم فيه خرائط الدمار، باستثناء العدو الإسرائيلي الذي بات واضحاً أنه يسعى، بغير وسيلة، الى استدراج المقاومة الإسلامية الى تصعيد غير مسبوق في ضراوته. فمن يراقبْ التطورات الميدانية المتسارعة على جانبي الحدود مع فلسطين المحتلّة، يرَ بوضوحٍ لا يقبل اللبس أن احتمال مواصلة ضبطها بات شبه مستحيل.
في أي حال إن إرادة الحياة يجب أن تتعزز، وليس مسموحاً تعريضها للضغوط القوية، وإذا كانت هذه إرادة العدو فأضعف الإيمان ألّا نحقّق له هذه الأمنية إكراماً لعينَي سفّاح العصر بنيامين نتانياهو الذي يشتري مستقبله السياسي بدماء الأبرياء في غزة ولبنان(…).