سفرة الميلاد بمنتجات بلدية وليطقّ السومون قهراً…
مائدة الميلاد هذه السنة لن تكون كما عهدناها، سنجعلها أجمل رغم أنف كورونا وتشعباته الفيروسية في الوطن وبالإذن من نزار قباني وجميع آل حبشي “سوف لن نشتري هذا العيد حبشة ستكون اليقطينة حبشتنا” وسنحشو في جوفها “أمنياتنا وصلواتنا وقناديل دموعنا”، ونحولها كيقطينة سندريلا الى عربة تحملنا الى زمن أجمل نستفيق منه عند دقات أجراس الكنائس منتصف الليل. سوف نحتفل بالميلاد على طريقتنا وبمنتجاتنا البلدية وليطق السومون قهراً في الثلّاجات.
في هواتفنا المحمولة نفتش عن صور موائد الميلاد الماضية، نتأملها ونتحسّر، نندهش من زمن ليس ببعيد، كنا فيه أباطرة نجلس حول مائدة تكتظ بأصناف وأطباق بتنا نجد صعوبة في تذكر اسمائها، نأكل حتى التخمة، ونشرب من دون ان نعد الكؤوس. اليوم العدّ واجب والحسابات سيدة المائدة: نحسب ثمن كيلو الحبش ووقية الصنوبر وسعر كيلو الفيليه وشرحة السومون ونعيد جمع سعر الكستناء مع سعر الأفوكا ونقارن بين سعر قنينة الويسكي وزجاجة الجين… طارت الأسعار وطار معها كل ما عهدناه في الأعياد وبات علينا أن نغيّرعاداتنا ونتحايل على الأسواق والأطباق لنحظى بمائدة عيد تليق بولادة المخلص وجمعة العائلة. والأمر لحسن الحظ ليس بالصعوبة التي نتخيّلها، البدائل موجودة يكفي ان نتعرف عليها.
الإبتكار هو كلمة السر لإنجاح مائدة العيد بأقل كلفة ممكنة وإعادة صياغة الأطباق التقليدية بشكل جديد منطلق النجاح. الشيف هشام عساف المختص بتصوير الأطعمة بشكل احترافي يقدم لنا أفكاراً لا تخلو من الطرافة والتميّز لوضع Menu مبتكر لسهرة العيد بما تيسر من حواضر البيت. الطبق الرئيسي الذي كانت الحبشة سيدته تتربع سعيدة وسط المائدة، صار سعر الكيلو منها اليوم يتراوح بين 25000 ليرة للنيء و 200000 للمطهوة مع توابعها علماً أنه ليس هناك حبشة أقل من 5 او 6 كيلوغرامات، تخيلوا حبشة بمليون ليرة! من هنا اقتراح الشيف استبدال الحبشة باليقطينة التي يساعد حجمها وشكلها على تكوين طبق رئيسي فخم يزين وسط المائدة ويقارع الحبشة في عقر دارها. تُقصّ اليقطينة من أعلى، تنظف جيداً من البذور والشلوش، تفرك بالزيت والملح وتحشى بالأرز المطبوخ نصف طبخة مع خضار مقلية متنوعة، ومن اراد ” الفنظزة” يمكنه إضافة اللحم المفروم الى الأرز أو حتى دعمه ببعض القلوبات من لوز وجوز وزبيب. ولأصحاب القلوب الضعيفة يمكن استبدال هذه القلوبات بالفستق السوداني العادي الذي يبقى سعره متاحاً للجميع. تُغطّى اليقطينة بورق الألمنيوم وتوضع في الفرن حتى تنضج، تحضر الصلصة المرافقة ويُزين الجاط حول اليقطينة بالأرز أو الخضار المقلية ليكون الطبق مفاجأة للجميع بشكله ونكهته وفرادته لا سيما اننا في عز موسم اليقطين وسعره في متناول الجميع.
ومن يتردد في استخدام اليقطينة كطبق رئيسي يقدم له الشيف بديلاً مفاجئاً آخر هو القنبيط. حيث يتم اختيار ثمرة قنبيط كبيرة الحجم، بيضاء جميلة تفرك بالزيت والملح وبودرة الثوم وبعض التوابل مثل البابريكا وغيرها وتلف بورق الألمنيوم وتوضع في الفرن حتى تنضج وترافقها صلصة الطحينة على الطريقة اللبنانية ويمكن تقطيعها الى شرائح بسهولة ووضع الأرز المطهو من حولها لتكون طبقاً جميلاً في وسط المائدة.
لا شك ان هذه البدائل النباتية، على تميزها، لن ترضي محبي اللحوم الذين لا يجدون عنها بديلاً، لذلك يقترح الشيف هشام اسعد استخدام ما يعرف في قاموس اللحّامين بالقطع الثانوية، ولا نعني بها الفيلية والكوتليت او الفوفيليه بل الشهباية والموزات والرقبة. طريقة طهو هذه الأنواع من اللحوم هي التي تصنع كل الفرق وتحوّلها الى اطباق مميزة فخمة. فهي تحتاج الى وقت طهو أطول بعد أن تقلى بالزيت وتضاف إليها المرقة والنبيذ الأحمر والبصل والكوسا والجزر وتترك على نار هادئة لساعتين حتى تنضج تماماً وتصبح طرية وتتشرب كل النكهات وتسمك صلصتها. ويمكن تقديمها مع الأرز او الخضارالمشوية او البطاطا المهروسة. ولمن يود استبدال الأرز الأميركي الذي حلقت اسعاره في العالي، يمكنه استخدام مكونات بلدية مثل البرغل الخشن، الفريكة، القمح على طريقة الجدات التقليدية.
بصياغة جديدةبالحديث عن الصلصة نسأل الشيف عما يمكن استبدال الكريم فريش الذي بات سلعة نادرة في الأسواق؟ يجيبنا أنه من الممكن الاستعانة بصلصة مكونة من الزبدة او الزيت مع الطحين والحليب او من الحليب والنشاء ولكن يمكن لهذه الصلصة ان تعوض عن الأصلية في اطباق معينة وليس في جميعها. ويمكن استبدال الصلصة البيضاء بانواع صلصات او تتبيلات مكونة من الحبق المطحون مع زيت الزيتون أو الكزبرة مع الثوم والملح والزيت اي ما يشبه صلصة البيستو التي يمكن تقديمها مع الخضار والباستا وغيرها.
حتى الكشك يمكن ان يتحول الى صلصة في بعض أطباق الباستا ويمكن الاستعانة بمزيج من جبنة القشقوان والعكاوي لاستبدال جبنة الموزاريلا على وجه أطباق الغراتان لتعطي نكهة وشكل الجبن الذائب الشهي.
لهواة الـ Cheese And Wine المعاناة صعبة مع الإرتفاع الخيالي في سعر الأجبان الفرنسية، والبدائل قد لا تكون شبيهة بالمذاق لكنها تشكل تحولاً نوعياً نحو الاصناف البلدية. الشنكليش، اللبنة “المكعزلة” والأجبان المحلية البيضاء يمكن تقديمها باساليب جديدة تموّه طابعها اللبناني وتلبسها ثوباً أوروبياً راقياً. ويؤكد الشيف هشام ان الشنكليش يمكن استخدامه فوق الخضار المشوية او الباستا كبديل عن جبنة البارميزان لأنه يعطي نكهة كريمية قوية، كما يمكن اختيار كرات اللبنة “المكعزلة” الملفوفة بالسماق او الرمان او الجوز المطحون كبديل عن جبنة الماعز الفرنسية مثلاً لتؤمن طعماً شهياً وشكلاً جميلاً. الأجبان المحلية البيضاء على اختلافها يمكن برشها وتحويلها الى كرات جبنة كبيرة تضاف اليها حبيبات الزبيب او الكرانبوري او الجوز وتغليفها بألوان مختلفة من الصعتر او السماق او النعناع اليابس وتقديمها على المائدة باسلوب جديد. كذلك يمكن اعتماد الجبن العكاوي بدل الموزاريلا مع الحبق والبندورة في طبق الـ caprese… الأفكار كثيرة ومتنوعة ويمكن لأي ربة بيت او هاوي طهو ان يتفنن بأطباق جديدة بمكونات موجودة اصلاً في البيت. فزينة الطبق تشبع العين قبل المعدة والاستعانة بمكونات لبنانية يحل الكثير من المشاكل.
سردين وتونة
وحدهم محبو السومون والكافيار لن يجدوا لهما بديلاً ويجب ان يصبروا على فراقهما والله مع الصابرين. يمكن ان ننصحهم بالسردين المعلب إذا سمحوا لنا على ان يتم تحضيره بطرق مبتكرة كطحنه مع صلصة البندورة وتحويله الى بروسكيتا تدهن على الخبز المحمص او تزيينه بالفجل او الكبيس والكبّار…وكذلك الطون المعلب لا يخلو من الابتكارات، فالزمن ليس زمن تطلب بل من الموجود يجب ان نجود… الأسماك الغالية السعر يقول الشيف هشام اسعد يمكن الاستعاضة عنها بفيليه السمك وطهوه على الطريقة الفرنسية بطريقة papillotte وتغليفه بورق الخبز مع الخضار ووضعه في الفرن لينضج على البخار ليشكل طبقاً مرهفاً بسعر بسيط.
ضيافات العيد من حواضر البيت
ضيافات العيد من التقاليد الراسخة في لبنان ولا يحلو عيد من دونها ولكن كيف السبيل إليها وكيلو الشكولا يتراوح سعره ما بين 150000 و 200000 ليرة؟ هنا أيضاً لا بد من البحث عن بدائل “كويسة ورخيصة” مما نستطيع إيجاده حولنا من اصناف. نصيحة الشيف لكل ربة بيت ان تشتري الواح الشوكولا الخاصة بالطهو ثم تذوّبها بواسطة البان-ماري وحين تصبح سائلة تنتظر قليلاً كي تخف حرارتها وتعمد الى إضافة أنواع من الفاكهة المجففة عليها ثم تضعها ملاعق صغيرة على ورقة خبز وتنتظر حتى تجف لتصبح جاهزة. كذلك يمكن تغميس حبات اللوز او الجوز او المشمش والتين المجفف او التمر بالشوكولا لتحويله الى ضيافات شهية. حتى الكاجو “المدعوم” يمكن طحنه وتحويله الى عجينة تقطع على شكل مكعبات تغمس بالشوكولا وتصبح جاهزة للتقديم.
السمسمية، الفستقية ضيافات من تراثنا سهلة التحضير مع الكاراميل، وكذلك كل أنواع الفاكهة المجففة التي تباع في الأسواق باسعار مقبولة يمكن تحويلها الى ضيافات مميزة مثلها مثل المربيات بعد إزالتها من القطر وتجفيفها قليلاً: البلح، التين، اللقطين، الباذنجان والـ”أبوصفير” مربيات شهية وضيافات لافتة. وبالطبع لا يجب في الميلاد ان ننسى المغلي وهو اشهر الضيافات المرافقة للعيد مع الكثير من جوز الهند والزبيب على الوجه والقليل من اللوز او الجوز أما الصنوبر فلا مكان له على سفرة العيد او حلوياته هذه السنة.
البوش دو نويل التي تكاد تنافس مجوهرات العيد باسعارها، بدائلها جاهزة وبسيطة بحسب الشيف، إنها “الكايكات” على انواعها: بالتفاح والقرفة او بالبرتقال والزنجبيل بحشوة الفاكهة المطبوخة وزينة من شرحات الفاكهة المغمسة بالكاراميل. هنا الابتكار سيد الموقف وبتكلفة مقبولة يمكن لربة البيت التفنن في تزيين الكاتو العادي وتحويله الى كاتو العيد بنكهات مميزة. وها هي السفرة قد باتت جاهزة وشهية تنتظر افراد العائلة للتحلق حولها. ولكن في زمن الكورونا وبحسب توصيات الوزير حمد حسن ومعه الوزير محمد فهمي لا بد من ابتكار حلول تؤمن التباعد العائلي… لذا احملي سيدتي طاولة المطبخ وطاولة البلكون الى الداخل ( وربما طاولات الدراسة عن بعد ايضاً ) وزينيها بشراشف حمراء جميلة ووزعي اصنافك ومدعويك على الطاولات المتباعدة لتحرصي على سلامة الجميع. القبلات ممنوعة والغمرات ملغاة ولا سيما بالنسبة للتيتا وجدو اللذين وإن “اخد على خاطرهما” يستحسن إجلاسهما في مكان بعيد عن الحشد ومنع التبويس والعبطات عنهما.
أخيراً إن كان “لا خيل عندنا نهديها ولا مال، فليسعد النطق إن لم تسعد الحال”… فهدايا هذا العام تمنيات بالسلامة… اما هدايا الماضي فباتت من الماضي وتحت الشجرة قد تقبع علب من نوع آخر: أدوية الضغط والسكري بدل علب العطور، والمجوهرات وعلب البنادول والادفيل بدل الألعاب والثياب، زجاجات ادوية السعال محل زجاجات الويسكي اما حبات الصنوبر فحبات لؤلؤ تزين عقود الكلام…