لا مواعيد مسبقة لبابا نويل، هو الذي يطرق الأبواب على غفلة، مفاجئاً الساهرين بحزمة هدايا وأمنيات وحقائب وجرس يعلن أوان الاحتفاء ليس بالولادة فحسب، وإنما بانفراجات تنسحب في لبنان على الكثير من الميادين العالقة منذ أمد.
ولا عجب.. هي روحية الميلاد التي فيها وفاق وأيادٍ ممدودة يلسعها صقيع الداخل أحياناً وحرائق المنطقة ونكبات المدن ولوعة النزوح مراراً.. وما بين الحالتين كان لا بد من ميلاد يُطلق الأحمر من قوقعة الدماء، منادياً بالتعايش والقلوب المجتمعة. ميلاد يعني أكثر من الأنوار والزينة، وأعمق من دفء البيوت والهدايا وقرع الأجراس والتراتيل والطوائف، في الطريق نحو إعادة تثبيت دعائم وطن، إن هبّت ريح لا تشلّع أبوابه، وإن عصفت بمحيطه الحروب لا تطيحه فرق عملة.
ولأنه الميلاد.. لا يكون مشوقاً إن تأخرت التشكيلة الحكومية عن قاطرة «نويل»، وإن لم تسقط من السماء مثل أكثر الهدايا حاجة وضرورة، مقتحمة يوم إجازة اللبناني كما لو أنها دخلت من «المدافئ» والنوافذ المفتوحة وشقوق الأبواب الصغيرة ومن آمال اللبناني بفرح يلامسه في الشوارع المتلألئة وفي العيون من حوله، محدثة صدمة إيجابية مغايرة لتوقعات سابقة وتكهنات وتقديرات ومواقيت وأسماء وكلام عن»محركات مطفأة»، ومغايرة كذلك لحسابات طالما انشغل بها اللبناني في قياس الربح والخسارة، ومتاهات كانت تغوص في السابق في الثلث المعطل والوزير الملك وأوزان الحصص أكثر من مراعاتها حسابات وطن بدا أنه قاب قوسين من الانجراف نحو هاوية لا تأخذ أبداً الى الميلاد وروحيته. وبما أنها أيام مجيدة، مترافقة مع انطلاقة متماسكة وواعدة لحكومة العهد، العين على الفعل والإنجاز في بلد إن غرقت سفينته لا ينجو معطل أو معرقل أو باحث عن انتصار فردي، والعين على الانفراجات الموعود بها البلد وقد هلّت بشائرها بذلك الالتفاف الدولي الكبير حول لبنان وصولاً الى عودة الحركة السياحية ونشاط الأسواق، وليس آخراً الأمل في تطويق مفاعيل النزوح السوري الذي يرضخ البلد تحت وزره من خلال استحداث وزارة تعنى بشؤون النازحين، ومعها وزارات دولة استحدثت لتعنى بالمرأة كما بحقوق الإنسان، كما بمكافحة الفساد، كما في التخطيط وفي الشؤون المالية والتنموية. وزارات تكون مناسبة للمّ الشمل في الأحزاب كما في السياسة كما في العائلات والمناطق والطوائف والعمل والفعل..
وفي انتظار نجمة الميلاد، النجمة اللبنانية لمعت، والمولود وطن في طور التأسيس لحقائب دولة، لا اغتراب وهجرة، فهل من يقتدي بمعاني الميلاد في البناء والوفاق، لا في الشرذمة وبث الأحقاد؟.