IMLebanon

«كريستوف دو مارجوري» كاسحة الجليد

يوم السبت الماضي وصل الرئيس فلاديمير بوتين على متن طوافته إلى مرفأ برونكا غرب مدينة سان بطرسبورغ العريقة التاريخية لإحياء ذكرى كريستوف دو مارجوري، رئيس شركة «توتال» الراحل. قتل دو مارجوري في حادث طائرة خاصة في مطار فنوكوفو بموسكو في ٢٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٤. وكان مجيء بوتين لمناسبة إطلاق حاملة غاز عملاقة كاسحة للجليد تمت تسميتها «كريستوف دو مارجوري» الذي وصفه بوتين بأنه «كان من أكبر الصناعيين الفرنسيين وصديقاً حقيقياً لروسيا وكانت لديه رؤية استراتيجية فريدة وعمل، دائماً من أجل علاقات الصداقة والشراكة مع روسيا». وأحيا بوتين ذكرى الفقيد في حضور زوجته وأولاده ورئيس «توتال» باتريك بوياني الذي خلف دو مارجوري وكان صديقه. وصادفت هذه التحية الروسية لشخصية فقدتها الصناعة الفرنسية، ظروفاً في دول خليجية عمل دو مارجوري الكثير في صناعة الغاز والنفط فيها. فدو مارجوري كان صديق الجميع في الخليج. وكان قريباً من القيادات الإماراتية والقطرية والسعودية. وأحب هذه الدول والمسؤولين فيها. وقلما شهد العالم الصناعي الفرنسي مسؤولاً يحب تقاليد هذه الدول. وكان قريباً منهم يمازحهم ويتحدث معهم كأنه ابن بلدهم. وكان باستمرار مستعداً لتكريس وقت طويل مع كل منهم من دون استثناء.

بدأ دو مارجوري عمله في الشرق الأوسط في قطر بإطلاق مشروع «قطر غاز» العملاق. وكان في الوقت ذاته يعمل في أبو ظبي في قطاع النفط حيث كانت «توتال» من أوائل الشركات في قطاع النفط في الإمارات في عهد رئيسها الراحل الشيخ زايد. وكانت تربط دو مارجوري علاقة ود واحترام بأمير قطر الوالد الشيخ حمد بن خليفة، كما كانت علاقته طيبة كذلك مع ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد. وأنشأ مع القيادة النفطية السعودية والوزير السعودي السابق علي النعيمي ورئيس «آرامكو» آنذاك الوزير الحالي خالد الفالح، مصفاة الجبيل. وكان دائماً يفخر بهذه المشاركة التي كان يصفها لـ «الحياة» مبتسماً أنها «زواج حب» مع «آرامكو» السعودية. فكانت مودته حقيقية وكبيرة للقيادة السعودية والمسؤولين في القطاع النفطي فيها.

سوف تفتقد الصناعة النفطية هذا الوجه الضحوك الذي كان معروفاً باسم big moustache بسبب شاربيه الكبيرين. وكان وفياً لمصالح شركته، وفي الوقت ذاته محباً للدول التي عمل فيها. ولو كان على قيد الحياة اليوم لكان تحرك بقوة وسرعة من أجل دفع فرنسا إلى محاولة المصالحة بين الدول الشقيقة ولو أنه كان أدرك أن النأي بالنفس عن الخلاف العميق بين هذه الدول هو أفضل طريق للوساطة والإقناع والتهدئة.

استطاعت إيران تخريب سورية والعراق والهيمنة والإساءة إلى لبنان. فينبغي ألا تنجح في تخريب مجلس التعاون الخليجي على أن يعود الأشقاء الخليجيون إلى العائلة الموحدة، لأنها أفضل طريق لحماية مصالحهم ومصالح جميع دول المنطقة العربية. فالانقسام في صفوف مجلس التعاون من شأنه أن يزيد حدة الصراعات في المنطقة والتدهور الأمني فيها. واليوم وقد انطلقت «كريستوف دو مارجوري» كاسحة الجليد هناك أمل كبير في أن تبحر إلى مياه الخليج حاملة الأمل بالتسوية والتهدئة لعودة جميع أفراد العائلة إلى الصف الواحد لأن ظروف المنطقة لم تعد تتحمل تخريباً وانقساماً وهدراً أو مواجهات عسكرية. فالأمل بأن تنجح وساطة أمير الكويت في هذه الظروف الحالكة.