IMLebanon

المعطى المزمن: الملايين تحت «سيطرة» الحوثيين و«داعش»

 

ثمّة تنظيمات جهادية تضافرت دوافع وقرارات وامكانات لتبديد سيطرتها، ولو الى حين، على مناطق استولت عليها، على ما رأيناه في الصومال، مع التدخل الاثيوبي، وفي مالي، مع التدخل الفرنسي، وحرب التدخل الأميركي والأطلسي على طالبان. طبعاً، النتيجة لم تكن حاسمة بشكل نهائي في أي من الحالات الثلاث، خصوصاً في حالة طالبان. 

في المقابل، هناك تنظيمات كتنظيم «الدولة الاسلامية» وكحركة «أنصار الله» الحوثية، رغم الاختلافات الواسعة بين التشكيلين والساحتين، لكن يجمعهما بشكل أساسي أنّ سيطرة كل من تنظيم «الدولة» على الموصل، أو الحوثيين على صنعاء تحفر وقائع لن يتوفّر تبديلها رأساً على عقب في الأمد المنظور، في الوقت الذي يهوّن كثيرون سهولة ذلك. 

فحتى لو ان الحوثيين لا أهلية لديهم لتشكيل نظام بديل وجهاز مركزي له، وحتى لو أن تشبّه «داعش» ببعض سمات الدولة الحديثة فيه نفحة كاريكاتورية، فليس معنى هذا اننا حتماً امام فقاعتين تتبدّدان بمجرّد توافق خارجي على إنهاء حالتيهما. 

بأقل تقدير، لا يمكن ان ينطلق التحليل من تقدير مشابه لتدخل اثيوبيا ضد «حركة الشباب« في الصومال او فرنسا ضد «الجهاديين« في مالي. هذا مع ان السبب متباين: في حالة «داعش» هناك فائض من الحرب العالمية عليه، لكن غير مسندة بخطة جدية للمواجهة الترابية. في حالة الحوثيين هناك قلّة اكتراث عالمية، الا من جهة تداعيات سيطرة الحوثيين على صنعاء على احوال تنظيم «القاعدة« في الجنوب. 

الاختلاف بين «داعش» والحوثيين اكثر من بديهي. لكن في الحالتين هناك من ترشحه اوضاعه لأن يفرض حالة مزمنة بصرف النظر عن هشاشة طموحاته لبناء «دولة» بالشكل الذي يبتغيها. نحن أمام حالتي سيطرة على ملايين السكان من قبل فصيلين، دون ان تكون هذه السيطرة بالضرورة تمهيداً لتشكيل نواة دولتين جديدتين جديتين، ودون ان تكون في الوقت نفسه فقاعة. 

«داعش» والحوثيون الآن تجربتان في «السيطرة» على مساحات واسعة وملايين السكان، مع اختلاف بين مسعى الحوثيين لتطويع شكل الدولة الوطنية اليمنية لهم، وجذرية «داعش« في «كسر الحدود» وشطب الدول الوطنية. هذا النوع من «السيطرات» مرشّح لأن يتحول الى سمة عدد من البلدان العربية. وطبعاً، كان منطق الاستقواء بالسلاح لبنانياً، تمهيدياً لهذا النوع من السيطرات، لكنها عادت وسبقته بأشواط، وخصوصاً انها تتحرك في مدى جغرافي وديموغرافي اوسع بكثير.

ماذا يعني ان يعيش ملايين السكان تحت سيطرة – لا حكم – «داعش» وملايين آخرين تحت سيطرة الحوثيين؟ يعني خطراً جدياً بتعميم هذا النموذج، بل واعتبار هكذا نموذج بديلاً عن الفوضى الشاملة! 

بالتوازي، فان تقويض مفهوم الدولة في هذه المنطقة من العالم يتخذ مناحي متعدّدة. منها مثلا ما حدث في سوريا: اندثار معالم الدولة في مقابل بقاء النظام، ثم تحول النظام أكثر فأكثر الى حالة «سيطرة» اكثر من كونه نظاماً، اي «سيطرة» من جملة سيطرات اخرى على الارض السورية، بعضها لحلفاء هذا النظام وبعضها لأخصامه. ومنها ما هو حادث في لبنان المتأرجح بين عدم قدرة مشروع الهيمنة الفئوي المسلح على احلال معادلته، وعدم القدرة على تفكيكه في الوقت نفسه. ومنها ما هو حادث في العراق: سيطرات بعدد الطوائف والاثنيات في أعقاب الانتقال، بقوة الاحتلال الاميركي اولاً، من هيمنة مذهبية ضمنية وملبّسة بحلّة تقدّمية بعثية، الى هيمنة مذهبية نافرة وموظفة للموروثات الاكثر احتقاناً، انما الجامعة بين «اجتثاث البعث» في العراق وبين نصرة تأبيده في سوريا. 

في لبنان وسوريا والعراق واليمن والاراضي الفلسطينية المحتلة لم تعد ثنائية «سلم اهلي ام حرب اهلية» ولا ثنائية «دولة ونظام» تغطي كل مساحة التحليل. «السيطرات» تفرض نفسها اكثر فأكثر كمعطى مزمن.