Site icon IMLebanon

التفاهم الحريري ـ العوني لا يكفي لإنتاج طبخة رئاسية

زعيم «المستقبل» يتسلح بضمانات إقليمية

التفاهم الحريري ـ العوني لا يكفي لإنتاج طبخة رئاسية

تدور الرئاسة اللبنانية، وبالتحــديد مبادرة ترشيح ميشال عون، في حلقة من التســاؤلات التي لا يملك أحد أجوبة حاسمة بشــأنها، خصوصا أنها تتعلق بموقف «مملكة الصمت» من المبادرة الحريرية، كما بموقف «المربع الصامت» في الضاحية الجنوبية المحرج بين حدي الحليف وحليف الحليف.

هل تقول «السلة» بمندرجاتها ما لم يُقل في جولة المشاورات التي قادها رئيس «تيار المستقبل» محلياً أم هي مرآة للصراع الخارجي العاجز عن إيجاد أي خطّ تقاطع على خريطة الإقليم؟ أم هي مجرد «أجندة» داخلية بحتة، في لحظة سياسية يريد الحريري استثمارها الآن قبل أن يخسرها في الغد؟ واستطراداً، هل هي الفرصة التي ينتظرها «الثنائي الشيعي» ليكرّس بالممارسة، ما يصعّب فرضه بالنص؟

يصبح الحصول على بعض الإجابات متاحاً اذا رُفع الغموض عن حقيقة الموقف السعودي، ليُبنى على الشيء مقتضاه، لا سيما أنّ فرضية اللامبالاة التي يتردد أنّ المملكة تختبئ خلفها، فتحت شهية الاجتهادات والتأويلات حول حصانة مبادرة رئيس الحكومة الأسبق، ومصيرها.

ولهذا، يُفترض أن تكون الانطلاقة من الديوان الملكي بالذات. يقول متابعون من «8 آذار» للحراك الحريري، إنّ الأخير ما كان ليحزم حقائب العودة ويغطّ في بيروت بعد غياب طويل، لولا تسلّحه بحدّ أدنى من الطمأنينة لما سيقوم به.

وعلى عكس القراءات التي افترضت أنّ الرجل يقدم على خطوة انتحارية من شأنها أن تقطع آخر شعرات معاوية مع حاضنته الإقليمية، بعدما ضاقت أمامه الخيارات، ولم يعد هناك إلّا البحر خلفه… فالرجل يحمي رأسه بما يكــفي من الضــمانات الإقليمية، على قــاعدة أنّ ما يصيب «ســعودي اوجيه» مفصول تماماً عما يصيب مالكها في السياسة.

لا بل يذهب هؤلاء أبعد من ذلك، الى حدّ الجزم بأنّ «حزب الله» تبلّغ مباشرة عبر قنوات التواصل الثنائية بينه وبين «تيار المستقبل» أنّ في جيب الحريري ما يكفي من تطمينات تسمح له بالقيام باستدارة كاملة تحمله من ضفّة سليمان فرنجية الى ضفّة ميشال عون، وذلــك في معــرض النــقاش الحاصل بين الفريقــين حول موقــف الضاحية الجنوبية من سيــناريو عودته الى رئاسة الحــكومة.

يقول هؤلاء إنّ «حزب الله» رفع «الفيتو» عن عودة الحريري الى السرايا الحكومية، بعدما تملّكته القناعة بأنّ فرصة وصول ميشال عون الى القصر الرئاسي جدية وحقيــقية… وإلا لما خرج السيد حسن نصرالله بموقف صريح يكــرر فيــه أنّ مرشح الحزب هو رئيس «تكتل التغيــير والإصـلاح»، بعدما أعفاه من أي بنود إضافية قد تثقل ترشيحه، وفتح بالتالي باب رئاسة الحكومة أمام الحريري بالذات.

لا ينكر هؤلاء أنّ الضوء الأصفر السعودي الذي يقول رئيس «تيار المســتقبل» إنّه في حوزته، حمّال للأوجه. الأكيد هو ليــس غطاءً صريحاً، والأكيد أيضاً وفق هــؤلاء نــوع من عدم الممانعة. إذا نجح رئيس الحكــومة الأســبق في مهــمته، فسيجد من يتبنى التفاهــم اللبــناني ويؤمّــن له الغطاء، ولكن اذا فشل يتحمل وحــده مســؤولية فشل مبادرته.

يعتبر المطلعون على حراك الحريري من فريق «8 آذار» أن الرئيس نبيه بري قرر التحرك مستفيدا من الهوامش المتاحة أمامه وهي واسعة. فقد سبق للسيد نصرالله أن قالها أكثر من مرة إن «حزب الله» ليس بوارد الضغط على حلفائه ولا هو راغب بذلك، وسبق للضاحية الجنوبية أن حاولت أكثر من مرة توسيع الممرات الضيقة بين عين التينة والرابية، لكن الفشل كان معظم الأوقات من نصيب مبادراتها.

يضيف هؤلاء أنّ رئيس مجلس النواب يستفيد من مسألة جوهرية وهي اعتصام الرياض بالصمت أو بالأحرى إدارة ظهرها للحراك الرئاسي، ما يعني بالنسبة اليه انعدام الغطاء الإقليمي للمبادرة الحريرية، وبالتالي لا مانع من استثمار هذا الهامش لـ«فرملة» الاندفاعة التي تبيّن أنها قائمة على أساس تفاهم ثنائي عوني ـ حريري، لا ثالث له، من وجهة نظر عين التينة.

هكذا، يكشف هؤلاء أنّ الحاجز الذي رفعه الرئيس بري تحت عنوان سلّة المعبر الإلزامي، ينطلق من اعتبارات عدة أبرزها:

– طبيعة العلاقة بين «الثنائي الشيعي» التي تمنح «أبو مصطفى» خصوصية قائمة بحدّ ذاتها لا يمكن للحزب تجاوزها أو التقليل من شأنها، خصوصاً أنّ الأخير أبلغ الرابية مراراً وتكراراً هذه المعادلة ونبّه من كلفة التعامل مع بري على أنّه ملحق بالحزب أو تحت عنوان «المونة» عليه.

– غياب الغطاء الإقليــمي وتحديدا السعودي الذي يجعل من بري حاجة ماســة لأي تفاهم داخلي، ما يعني أن ثمة حاجــة لتوسيع رقــعة الاتــفاق الذي جرى التوصل اليه بين الحــريري وعون، خصوصاً أنّ التجــارب السابقة دلّت على أنّ طبخة الرئاسة لا يمــكن أن تتــم على أيدي طباخــين اثنــين فقـط، ولا بدّ من مشــاركة القوى اللبنانية الأساسية في تركيب مكوّناتــها كي لا تحترق باكراً.

– إدراك بري أنّ «حزب الله»، في قرارة نفسه، لا يرغب بعودة الحريري الى السلطة، وكل ما يقوم به من خطوات انفتاحية هي فقط من باب تسهيل الطريق أمام ترئيس الجنرال عون.

ولهذا يحاول بري الاستفادة من محدودية المهلة الزمنية المتبقية أمام الجلسة الانتخابية، ومن محدودية مسعى الحريري، ليفرض شراكته وفق حساباته. ومع ذلك، يقول المطلعون إنّ الطريق ليست مقطوعة أمام رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ليجلس على الكرسي المخملية.

ما من قطبة مخفية بنظرهم، بل هو موقع نبيه بري في العهد الجديد، والمسألة بحاجة الى ترتيب بين عين التينة والرابية، وهذا ما يحاول «حزب الله» الدفع باتجاهه قبل انقضاء موعد الجلسة الـ47. أما بعدها.. فلكل حادث حديث.