في إطار ترتيب البيت المسيحي الداخلي، وبعد ورقة «إعلان النوايا» بين «القوّات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ»، إتجهت الأنظار الى ما طرح عن استطلاع رأي مسيحيّ، قريب الى الاستفتاء لاختيار الزعيم الماروني الأقوى ليتولّى المنصب المسيحيّ الأول في لبنان والشرق.
يبدو «التيار الوطني الحر» أكثر المتحمّسين لاستطلاع الرأي، خصوصاً أنه يدخل ضمن مبادرة العماد ميشال عون الأخيرة التي اقترح فيها تنظيم استفتاء عام، في وقت أعلنت «القوات» التزامها الدستور الذي لا ينصّ على الاستفتاء، وعدم ممانعتها إجراء استطلاع يتكفّل «التيار الوطني الحر» بتنظيمه.
ويظهر أنّ وجهة الاستطلاع لم تحدّد في شكل نهائي بعد، إذ إنّ هناك أسئلة تطرح عن المعايير التي ستتّبَع في إجرائه، خصوصاً أن لا ثقة لبنانيّة باستطلاعات الرأي التي لم تُصِب إلّا نادراً وتخضع لتأثيرات سياسيّة على عكس الاستطلاعات التي تحصل في أوروبا وأميركا والدول المتقدّمة، إضافة الى أنّ الشقّ التقني مهمّ للغاية، وهو يشمل اختيار العيّنات وتوزيعها على المناطق، وعدد الناس الذين سيخضعون للاستطلاع، واللحظة السياسيّة مع وجود قاعدة واسعة مستقلّة داخل الرأي العام المسيحي تتحرّك وفق الموقف. لكلّ هذه الأسباب سيطول البحث والتدقيق بين الطرفين لاختيار الشركات التي ستجري الاستطلاع، ما يعني إطالة أمد الفراغ.
ويبدو أنّ الشارع المسيحي، الذي تفاعل إيجاباً ورحّب بلقاء «القوات» و»التيار»، بعيد كلّ البعد عن جوّ الإستطلاع المرتقَب، فهو لم يتحرّك عندما وقع الفراغ الرئاسي، ولا يراهن كثيراً على خطوات مماثلة لإعادة الوهج الرئاسي الى بعبدا. وفي هذا الوقت، تراقب الكنيسة مجريات العلاقة بين القوّتين المسيحيتين، لكنها تتصرّف بواقعيّة تجاه طرح الاستطلاع، وعملانية منبثقة من روح الدستور.
فالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يدعم أيّ عمل يُنهي الشغور الرئاسي، لكنّه في المقابل لا يريد أيّ طرح يخرج عن الدستور قبل انتخاب رئيس للجمهورية، لأنه بذلك يفتح الباب امام اجتهادات وطروحات جديدة، لعلّ أبرزها المثالثة التي يحذّر منها دائماً، مع رؤيته مشهد تَهاوي المؤسسات اللبنانية كافة.
وتعليقاً على الاستطلاع المرتقب، يقول النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم لـ»الجمهورية»: «ليتفضّلوا ويُجروا الاستطلاع، وإذا كان هذا الأمر يساعد على انتخاب رئيس، فبكركي من أشدّ المرحّبين به، وهي مع كل الطروحات التي تُنهي الشغور الرئاسي. لكن لنكن واقعيّين، إنّ أيّ حلّ خارج الدستور لن يُفضي الى نتيجة، فمَن قال إنّ هذا الاستطلاع سيكون ناجحاً؟ وإذا حصل هل سيسير فيه بقيّة المسيحيين أو الشركاء من المسلمين ويلتزمون نتائجه؟»، داعياً الجميع الى «احترام الدستور والمبادرة فوراً الى انتخاب رئيس».
يرفض مظلوم الكلام عن تحميل الزعماء الموارنة وحدهم مسؤولية الفراغ الرئاسي، «بل إنّ جميع الزعماء مسؤولون، فرئاسة الجمهورية تعني الجميع وليست ملفاً مارونياً مستقلاً»، سائلاً: «من يضمن أيضاً أن يسير الجميع بالمرشّح الذي يختاره المسيحيون إذا ما حصل إجماع داخل البيت الماروني عليه؟»، مؤكداً أنّ «كل المبادرات التي قادَها الفاتيكان، وخصوصاً أخيراً عبر إيفاده الرسول البابوي دومينيك مومبرتي، لم تأتِ بنتيجة لأنّ الداخل اللبناني يصمّ آذانه عن الحل الصائب. فهل كنّا ننتظر أن يَجترح مومبرتي أعجوبة ويحوّل الماء خمراً رئاسيّاً؟».
مع تقدّم الطروحات والافكار، يظهر جلياً أنّ مجريات الاحداث في مكان آخر، فإذا وقّع الإتفاق النووي الإيراني المرتقَب، وحصل تفاهم أميركي – إيراني على رئيس جديد للجمهورية، ماذا سيكون مصير الإستطلاع في حال باشَر فيه الطرفان؟
وهل ستقف «القوات» في وجه اتفاق إقليمي شامل على رئيس يتعطّش له اللبنانيون والمسيحيون؟ وماذا لو أتت النتائج بعكس ما يشتهي عون؟ وإذا اختير جعجع هل سيرضى الجنرال بالنتيجة؟ وفي حال قبلها، مع استبعاد هذا الاحتمال، كيف سيقنع حلفاءه وخصوصاً «حزب الله» بانتخاب جعجع؟ أسئلة لا تجيب عنها استطلاعات في الوقت الضائع.