لم يكن انتخاب الارشمندريت يونان الصوري مطراناً على أبرشية زحلة وبعلبك هو الحدث في المجمع الانطاكي المقدس الذي انعقد لأيام في دير البلمند. فالحدث في ما بعد المجمع وفي الأمور التي يتطرّق لها.
ربما الأصح القول إن هذا الانتخاب الجديد يعيد فتح نقاش بدأ هذه المرة من زحلة، ولكنه يمرّ في كل أبرشيات لبنان، من بيروت الى جبل لبنان، وينتقل الى اليونان وصولاً الى روسيا. ويمكن اختصار المشهد بعبارة: «الصراع اليوناني ـ الروسي». فهل تنتهي الانطاكية الى ان تكون «فرق عملة»؟
معطيات الانتخاب تشير الى ان المطران الذي كانت فعاليات أرثوذكسية زحلية تدعم انتخابه، نيفون صيقلي، مقرّب من موسكو وخدم فيها روحياً ما يقارب 40 سنة لدرجة ان أطلق عليه الروس لقب «حامي الإيمان». علماً أن المطران المنتخب يونان الصوري مهندس ودرس اللاهوت في فرنسا و»لا غبار عليه» وفق من كانوا داعمي صيقلي، وان كانوا يعتبرون أن الأخير كان أكثر أهلية لتسلم هذه المسؤولية.
لن تقاطع الفعاليات الزحلية المطران الصوري بل ستقف الى جانبه، لكنها تأخذ على البطريركية الطريقة التي تمّ فيها التعاطي مع هذا الملف منذ البداية جراء «حضور المدبر البطريركي الى المنطقة لاستمزاج آراء الناس، بنحو اعتبره الأهالي فوقياً وصورياً بفتح الباب أمامهم لتسمية 6 مرشحين، وهذا غير منطقي». يشتمّ هؤلاء في استبعاد صيقلي رائحة السلبيات التي تشوب العلاقة اليونانية ـ الروسية على الصعيد الكنسي. ويتساءلون: «هل كتب على الكنيسة الانطاكية أن تكون تابعة؟ أو انه من المفترض أن تكون مستقلة شامخة؟».
يُعيد متابعون الصراع القائم بين الكنيستين الى الستينيات، وتحديداً بعد إدانة مطارنة أرثوذكس بتهمة انتمائهم الى الشيوعية. ومذذاك تركز توجه المدارس اليونانية والاميركية نحو انطاكيا. ويوضح هؤلاء أن تسليط الضوء على هذا الصراع التاريخي الذي يحصل على أرض انطاكيا والذي ينبثق منه ايضاً الصراع بين الكنيستين المقدسية والانطاكية والذي انفجر مؤخراً في قضية مطرانية قطر، لا يعني أن الاصوات المعترضة تريد ان تكون مع اليونان أو مع الروس وإنما إنعاش كيانها المستقل من دون تبعية لأحد». هذه التبعية تتبدّى، برأيهم، في توجه جميع اكليريكيي انطاكيا، من دون استثناء، الى جبل أثوث اليوناني للدراسة. والمفارقة أن المطران صيقلي هو الوحيد الذي يتكلم اللغة الروسية. وتتبدّى كذلك في الإمعان في إحداث شرخ كبير بين الشعب الارثوذكسي وسلطته الروحية في أكثر من مطرانية، من بيروت الى جبل لبنان وغيرهما، حيث تتهم السلطات الاكليريكية بممارسة السلطة المطلقة.
في الأروقة الأرثوذكسية يتردّد في هذه الايام كلام عن نية في تقسيم جبل لبنان الى ثلاث مطرانيات بهدف تقزيمها فتصبح ضعيفة في القرار والنفوذ، كما يقول متابعون. والتساؤلات توجّه كذلك الى البطريرك يوحنا يازجي لمطالبته بتطبيق مقررات المؤتمر الانطاكي الذي عقد العام الماضي، خصوصا ًلناحية تفعيل دور العوام في الشراكة مع السلطة الكنسية.
كل هذا المشهد لم يحضر في نقاشات المجمع المقدس، وان كان انتخاب الصوري هو مَن أخرجه الى الواجهة. فاللبس الذي شاب وصف أحد الكهنة الروس للحرب في سوريا أنها مقدسة لم يتطرق له المجمع لا من قريب ولا من بعيد. وبينما اكتفى المجمع بالتوضيح الذي اصدرته البطريركية سابقاً عن الموضوع، لم يتفاجَأ نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي بهذا الموضوع لأن أي موقف يتعلق بشؤون المنطقة والأمة لم يصدر عن هذا المجمع منذ 30 عاماً، لافتاً الى ان «كلمة مقدسة لا يمكن تفسيرها الا بالمعنى الإنساني الصرف، حيث لا دين ولا عقيدة، لكن بعض التافهين والكتّاب المدفوع لهم وغيرهم ممن عاشوا على الفتن السنية ـ الشيعية حاولوا هذه المرة تحريض السنة ضد الارثوذكس، علماً اننا نحن من ذكرنا في القرآن الكريم: غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين».
ويردّ الفرزلي على وصف النائب وليد جنبلاط قائل كلام «الحرب المقدسة» بـ«الأحمق» قائلاً: «قبل أن يعطي هذا الوصف، ليتأكد بأن هذا الكلام لم يصدر بهذه الصيغة وأن غايته لم تكن كما يوحي الكلام الذي صدر عن جنبلاط».