منذ مدة وانا اتابع حراكاً لما يسمى «الطوائف المسيحية المشرقية» من خلال لقاءات ومؤتمرات تعقد في لبنان وخارجه، للنظر في ما «وصلت اليه احوال المسيحيين»، في هذا الشرق الغارق في الدم والدموع والموت والحرائق، والاثمان الباهظة التي دفعها المسيحيون وغيرهم، ثمن الاحقاد السود، والجهل المطبق، والاجرام المتأصل في نفوس جماعة هولاكية من التكفيريين، اخذت على عاتقها ومسؤوليتها، تطبيق الاسلام وفق قراءتها ومفهومها، ومصلحتها، وليس وفق المفهوم الحقيقي للاسلام، ومع الاسف لم الحظ او اسجل ان هذا الحراك انتج مواقف وقرارات افادت المسيحيين بشيء بل ربما زادت في تعميق الفرقة بينهم، لان المسؤولين عن هذه المؤتمرات والاجتماعات، تعمّدوا على ما يبدو، ابعاد اكثر من نصف المسيحيين عن المشاركة فيها بمثل ما تعمدّوا تسييس هذه اللقاءات واخذ مواقف منحازة لاطراف معينة وانظمة مشاركة في شكل وآخر في هذا الجحيم الفاغر الاشداق.
المحزن ان الطوائف المسيحية المشرقية المشاركة في لعبة «الحركة بلا بركة» ما زالت تعالج الامور او تدرسها، كما كان يحصل منذ مئات الاعوام او اكثر، على قاعدة بيت الشعر المعروف «نحن اجتمعنا ههنا حتى نرى في امرنا، لقد حلّ بنا الطاعون المرض الملعون دون ان يخطر في بال القيمين على هذه الطوائف، ومنها الطائفة المارونية المشرقية اننا اصبحنا في القرن الواحد والعشرين، حيث المقاييس والعادات والاهتمامات تبدّلت وتغيّرت وتعدّلت بمعنى ان الاسطول الفرنسي لن يأتي الى شواطئ لبنان كما فعل منذ اكثرمن 150 سنة ليحمي المسيحيين من خطر الابادة». ومن البديهي ان الولايات المتحدة لن تحلّ محل فرنسا في هذه المهمة المقدسة، وبالتالي، ان لم تكن الطوائف المسيحية، على قدر عال من التعاضد والتعاون والتفاهم، ضمن كنائسها، وبين بعضها بعضاً، وبينها وبين الشريك المسلم، فانها سوف تخسر معاركها الواحدة تلو الاخرى، اما كيف يمكن ان تحصّن ذاتها لتبقى قوية، فان البابا فرنسيس بابا الكاثوليك والمسيحيين الآخرين وجميع اصحاب النيّات الطيبة، قد رسم الطريق الذي يجب ان تسير عليه الكنائس المختلفة.
بالممارسة لا بالقول مهّد البابا فرنسيس، طريق الخلاص والنجاح والاستمرار للكنائس، عندما فتش عن الفقراء والمعوزين والمرض، وزارهم في بيوتهم وجحورهم وحمل اليهم ما يحتاجون، وواساهم وأكل معهم وتباسط واياهم، وجعل هذه المهمة، عملاً شبه يومي، واعتبر ان الكنيسة تكون غنيّة بابنائها وبالرحمة والحب والتضحية، التي تضعها في خدمة هؤلاء الابناء، وليس بتكديس الاموال والبهرجة الفارغة، وبالممارسة ايضا اعطى البابا فرنسيس المثل الصالح لرجال الدين، عندما استخدم سيارة موديل 1986، واعرب عن حزنه عندما يرى ر جال الدين يقتنون السيارات الفاخرة، والعبرة من تصرّفات البابا فرنسيس ان الكنيسة تقوى عندما ترعى ابناءها وتهتم باعمالهم ومدارسهم وصحتهم، وتذهب اليهم.
اذا اردنا البقاء في هذا الشرق، سيروا على درب البابا فرنسيس.