حال المسيحيين في المنطقة لم يسبق أن وصل إلى هذا الحضيض. رأس هذا المكون الأصلي للمجتمعات في هذه المنطقة يُقطَع يومياً، في ظل صمت رسمي وقانوني ودستوري لم يسبق له مثيل. لذلك، يستدعي هذا التحدي حرباً يومية ضد أصحاب القرار، وهي مسؤولية يضطلع فيها «مقاتلون» كثر أبرزهم «مجلس كنائس الشرق الأوسط»، الذي يستمد دوره من كونه المؤسسة الكنسية الوحيدة الموكلة التحدث باسم كل كنائس المنطقة (28 كنيسة) منذ نشأته عام 1974، وبالتالي فإن دائرة اهتماماته وهمومه في الوقت عينه تمتد على مساحة المنطقة برمتها.
«حال كل ساكني الشرق صعبة، ولكن حال المسيحيين في المنطقة هي الأصعب»، يقول الامين العام للمجلس الأب ميشال جلخ. مأساة المسيحيين تبدأ، برأيه، من «وصفهم بالأقليات، وهم في الواقع أصحاب الأرض الأصليين». ومع تسليمه بأن عددهم أقل، يسأل: «هل هذا يقضي بمعاملتهم على أساس أنهم أهل ذمة؟».
في الهجمة التكفيرية التي تغزو المنطقة والعالم، يتوقف جلخ عند الألم المسيحي المتنقل من سوريا، حيث التخوف من هجرة جماعية، إلى العراق، مرورا بـ «استضعاف المسيحيين في لبنان، فضلا عن التهجير المزدوج للأرمن. ما هو المطلوب من المسيحيين؟»، يجيب: «المطلوب الصمود. فالكنيسة لا يمكنها أن تدعو الناس إلى التسلح. هناك ريح تهب ولا بد أن تخمد في النهاية، وعندها لا بد أن يكون قد بقي من يمكنه أن يكمل المسيرة».
في آخر فصول «قطع رأس الكيان المسيحي»، لوح بطريرك الكلدان لويس روفائيل الأول ساكو منذ أيام بالمطالبة بمثول مجلس النواب العراقي أمام محكمة دولية لمحاكمته في قضية «قانون أسلمة الأطفال»، وذلك على خلفية قانون جديد أقره البرلمان الرافض أي تعديلات عليه والذي يعتبر الأطفال مسلمين تلقائياً إن اعتنق أحد الأبوين الإسلام. يقول الأب جلخ: «القضية ليس داعش وانتهينا، بل هي قضية وجدان وضمير ودور ووجود». يضيف: صحيح أن أوضاع المسيحيين جيدة نسبيا في مصر والأردن مثلا، خصوصا في هذه الفترة، ولكن لا ضمانة لهم في الدساتير ما عدا «مكرمات» من ملك أو رئيس أو وزير.
في هذا السياق، يحضر الشغور الرئاسي في لبنان والذي يقترب بثقة من عامه الثاني. وإذا كان البلد قائماً على التسويات منذ ولادته، لكن المشلكة، بحسب جلخ، أن «أي حل يتطلب تطبيق العدالة والمساواة معا وهذا ما لا يحصل». ولذلك يعتبر أن المطلوب من الجميع الاقتناع أن معادلة «القوي والضعيف» لا تصنع بلداً، بل يجب البحث دائما على معادلة «كلنا أقوياء والربح للجميع».
في لبنان شغور وأيضاً نازحون. جولات مكوكية لـ«مجلس كنائس الشرق الأوسط» في ميونيخ وأوسلو وبرلين والسويد لشرح الوضع. أمام دول متخبطة في أزمة اللاجئين، يتوجه الأب جلخ في خطابه إلى نظرائه الكنسيين ومنهم الى حكوماتهم: «العولمة لا تتعلق فقط بتصدير التكنولوجيا بل بتصدير الحروب والأسلحة أيضاً، والحل لا يكون الا بالسلام لأن الحرب لا توّلد إلا الحرب».