Site icon IMLebanon

تشرشل وهيبة الدولة

يقول ونستون تشرشل، من الشرطي الذي يقف في الشارع تبدأ هيبة الدولة.

ويقول أيضا اذا أردت ان تعرف أي شعب أنظر الى من يمثله، بعدها تعرف ما اذا كان من الشعوب التي تستحق ان ترميها بالورد، أم بالحجارة؟

وصحيح ان هيبة الدولة من الشرطي في الشارع والجندي في الخندق، لكن هؤلاء مجرد مرايا عاكسة لهيبة السلطة.

وفي تجربة فجر الجرود، حاول الجيش، الذي هو عنوان الهيبة والمهابة، أن يكون ما عليه أن يكون، وان يفرض هيبة الدولة، والسلطة بكل شعابها ونجح في اختبار القوة والعزم والاقتدار المهني، وفي لحظة الحسم الأخيرة، جاء من يفوّت عليه فرصة النصر المؤزّر.

ما جرى له تفسيرات كثيرة، لماذا استبدلت لغة الحسم، بلغة التفاوض فيما السكين على أعناق الدواعش، قتلة الجنود؟ من تدخل ولماذا؟ ومن ضغط ومن اقتنع وأقنع، وبالتالي من وضع قيادة الجيش في زاوية القرار السياسي مرة أخرى. ولماذا عشيّة المرحلة الرابعة الحاسمة، وقبل ساعات من ساعة الصفر التي انتظرها أهالي العسكريين الشهداء، والجمهور اللبناني المتعطش لوهج الكرامة الوطنية؟

بعيدا عن الخطابات المناقضة لبعضها بعضا والتبريرات التي لا تقف على قوس قزح، من المؤكد ان المناخ الاقليمي هو الذي فرض نفسه على الجو العام يوم السبت الماضي، لا مصير الجنود، الذي كان معروفا، من دون اعلان، ولا موقع الجثامين الضائعة، والذي أكدت مرجعية المفاوضات من الجانب اللبناني، وهو اللواء عباس ابراهيم ان لديه صورا عنها منذ العام ٢٠١٥، أهداف هذه العملية كثيرة لكن يمكن اختصارها باثنين:

الأول، قلق البعض من الجدارة التي أظهرها الجيش في عملية فجر الجرود، الجدارة القيادية والجدارة الميدانية، ما جعل كثيرين يتطلعون بعيدا… وبالتالي يقررون قطع طريقه للنصر الحاسم، وفي ذات الوقت التخفيف من القيمة العسكرية لهذا النصر، من خلال توصيف الدواعش بالمهزومين والمستسلمين، وصولا الى اقناع القريب والغريب، بأن لبنان الدولة لا زال بحاجة الى القوى المستعارة، رغم التقدم الذي بلغه جيشه على رؤوس الأشهاد.

وبالحؤول دون بلوغ الجيش مرحلة الاجهاز على الدواعش، توارث فكرة توسيع مهام القوات الدولية في جنوب لبنان، الى الحد الذي ترغبه الولايات المتحدة، على أساس، ان القوات الدولية تحسب الجيش اللبناني ضمن عناصر قوتها، وعندما رفض لبنان الرسمي التوسعة المطلوبة، والمرغوب ان تشمل حدود السلسلة الشرقية، تحت ضغط الممانعة المعروفة، وبالتزامن مع عملية الالتفاف على المرحلة الأخيرة التي رسمها الجيش لفجر الجرود، على خلفية عدم القدرة، بات طبيعيا ان يعارض الفرنسيون والايطاليون فكرة التوسعة الأميركية، لأن جنودهم في الميدان.

والهدف الثاني المفترض إقليمياً، متشعّب ايضاً، لكن اقرب التفسيرات الى الواقع، ان خطة التفاوض مع الدواعش والإصرار على نقلهم الى منطقة دير الزور، بمواكب سياحية، هو الحاجة إليهم في تلك الجبهة، بعدما اصبح وجودهم على أطراف الجرود اللبنانية مع سوريا لزوم ما لا يلزم. على ان تصيب هذه الخطة عصفورين بحجر واحد، نقل هؤلاء المقاتلين الى الجبهة الجديدة في دير الزور، وسحب بساط النصر من تحت أقدام الجيش اللبناني.

ومن هنا كانت صرخة المسؤولين العراقيين كباراً وصغاراً، فقد أدرك هؤلاء حقيقة اللعبة، وهوية اللاعب الحقيقي، الذي بقي متخفياً خلف غبار المساجلات والإتهامات، ما اضطر الأمين العام ل حزب الله السيد نصرالله الى سلسلة التوضيحات اللاحقة، والتي لا يبدو انها طاولت قناعات الناس.

لقد أكد إعلان الرئيس ميشال عون على الإنتصار في حرب الجرود من بعبدا، وبحضور قائد الجيش العماد جوزاف عون، ولوحظ ان خطاب الرئيس وشروحات القائد، انحصرت بالجيش والقوى الأمنية كسواعد حقيقية للدولة، ليغيب ذكر الأعداد المضافة، ربما لأول مرة في هذا العهد.