IMLebanon

سيرك مفتوح!..

بمجرد أن رفعت واشنطن عقيرتها ولوّحت بالتهديد (ولم تهدد!) بوقف التنسيق مع موسكو في شأن سوريا، وأطلقت إشارات الى احتمال سماحها بتزويد المعارضة بعض السلاح النوعي، تراخت أوتار سيرغي لافروف المشدودة وعاد ليتحدث مع جون كيري عن تنفيذ ما اتفقا عليه في جنيف في التاسع من أيلول!

وفي موازاة ذلك، لاحظ كل الناس، وأهل حلب بطبيعة الحال، ان وتيرة الغارات الجوية الروسية تراجعت عما كانت عليه. وخفّت عمليات استهداف الاحياء السكنية وهدمها عشوائياً على ساكنيها.. ثم أمكن ملاحظة أن أبواب صالات الأفراح عند جماعة ممانعة آخر زمن، عادت وأُغلقت بسرعة، بعد أن كانت فُتحت على مداها وامتلأت بالهازجين الهاتفين بالانتصار، غداة الإعلان «المزلزل« عن «تحرير» بضعة أبنية في نواحي الاحياء الشرقية لحلب.. ثم غداة توعّد الأمين العام لِـ»حزب الله» حسن نصر الله بـ»الحسم العسكري» والانتهاء من اللهو واللغو بالحكي عن «حل سياسي».. الخ!

وكثيرون يعرفون (وأكثر منهم لا يعرفون!) أن بقايا قوات الرئيس السابق بشار الأسد نقلت منذ ما قبل ما يُسمى «اتفاق جنيف» بين كيري ولافروف، وحدات قتالية كاملة التجهيز (من دمشق خصوصاً) الى حلب. وأجرت سلسلة مناقلات في صفوف الضباط والمسؤولين في المدينة، واستبدلتهم بآخرين «أكثر شراسة» وقابلية للفتك والإجرام. كما ان الميليشيات المذهبية المدعومة من إيران عززت صفوفها هناك بمواكبة وحضور «خبراء» و»استشاريين» عسكريين إيرانيين رفيعي المستوى. مثلما ان الروس بدورهم حضروا في السوق بكثافة! وعلى مستويات عدة.. وكل ذلك تحضيراً لإطلاق معركة «تحرير» حلب وبالتوازي مع المحادثات الماراتونية التي كانت تجري بين الروس والأميركيين تحت عنوان «الهدنة». ثم تحت عنوان ادخال المساعدات الانسانية إلى الأحياء المحاصرة. ثم تحت عنوان إنشاء آليات تنسيق مشتركة ووضع لائحة موحّدة بالتنظيمات «الإرهابية» المطلوب القضاء عليها!

تعرقل التنفيذ، مثلما تبيّن علناً! وانطلقت حفلات ردح واتهامات متبادلة بين موسكو وواشنطن على أرفع المستويات. لكن المفارقة، ان هذا التطور السلبي، بدلاً من أن يلجم الوضع الميداني خشية تطوره إلى اصطدام أميركي ــــ روسي(؟) كان إشارة كافية لانطلاق الروس في حملة جوية شيشانية الأسلوب (أي حيوانية همجية مقززة!) على الأحياء المعارضة في حلب، مواكبة لهجوم بري كبير شنته قوات الممانعة على الأرض!

لا أحد يمكنه ان يتجاهل المعطى الخطير القائل بأن واشنطن جلست على مدى أيام وهي تتفرج على ما يحصل! وكأنها غضّت الطرف وراحت تنتظر: إذا نجح الهجوم كان به! والعدّة التبريرية جاهزة، سياسياً وأخلاقياً (!!) «جربنا كل شيء لكن الروس تملّصوا»! وإذا فشل، يعودون إلى السيرة الاولى… إلى العمل لضمان الالتهاء مجدداً بقصة «الحل السياسي».

ما حصل، على ما يبدو، هو ان الوقاحة الديبلوماسية والاعلامية الروسية والوحشية الاستثنائية التي أظهرتها الغارات الجوية.. ثم فشل الهجوم البري لوحدات «التحرير الممانعة»، أنتجت مقوّمات حرج كبير للأميركيين، إلى حدّ خروجهم عن سويتهم المألوفة: بدأت فوراً خبريات وتسريبات عن وصول سلاح نوعي لبعض فصائل المعارضة (صواريخ غراد!) والتلويح برفع جزئي للحظر على تسليم أسلحة نوعية أخرى. وصولاً إلى أمرين غريبين. الأول هو عودة مستر أوباما إلى الحديث عن استشارة منتقدي سياساته في شأن المطلوب أن يُعمل في سوريا! والثاني هو تنبيه كيري للروس من تداعيات ما يفعلونه والتي قد تصل إلى تعريض بلادهم «لعمليات إرهابية»!

يعني.. شيء قريب من السيرك المفتوح! سوى ان ذلك في جملته أكد مجدداً، وبالدليل القاطع، أن واشنطن وحدها المتحكمة بمسار النكبة السورية! وأنها وحدها القادرة على تعديل ذلك المسار! وأن موسكو تحت ذلك السقف وليست فوقه! وبمجرد ان رنّ الجرس في دوائر البيت الأبيض، عادت دوائر الكرملين إلى الحديث عن «اتفاق جنيف» وتراجعت مظاهر المذبحة في حلب.. وبلع ممانعو آخر زمن، ألسنتهم في دمشق وبيروت وطهران مرة أخرى! ولن يطول الزمن قبل أن تعود ماكينتهم الإعلامية إلى اللغو (المرير!) عن تمايزات «واضحة» بين سياسة روسيا «الدولة ذات المصالح الكبرى» والتي تذهب بها إلى حد التنسيق المفتوح مع إسرائيل! وبين سياسات المحور الإيراني ــــ الأسدي الباحث عن تدمير هذه الإسرائيل.. من فوق أشلاء أطفال حلب!