فتح فيديو وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الندوب العميقة في الجسم السياسي اللبناني وأخرج ما في داخلها. مفردات الفيديو السوقية وما قابلها عبر الإعلام أو على اليافطات التي سرعان ما ارتفعت الى جانب الغرائزية المتنقلة على الدراجات وإحراق الإطارات لم تفاجيء اللبنانيين، بل عبّرت عن تقيّة سياسية عاجزة عن تغطية المساكنة القسريّة التي تعيشها الطبقة السياسية في لبنان. الجاليات اللبنانية في الخارج تفاعلت مع الحدث بما يثبت أنها لا تتمتع بمناعة أكبر من مواطني الداخل، وهي بدورها موزّعة على الطوائف السياسية وبنفس الحدّة. عهدُنا بالبيت السياسي اللبناني أنّه بيت بمنازل كثيرة يجب العمل على إزالة جدرانه الداخلية ليصبح أكثر انفتاحاً ورحابةً، فاذا به يثبت اليوم أنّه بيت زجاجي وقابل للتشظي في أي لحظة وأنّ جدرانه الخارجية ليست أكثر مناعة.
الفيديو الشهير ومن خلال موضوعه، أتى في سياق عدم قدرة التيار الوطني الحر على تعديل قانون الإنتخابات، بعد سيل من الإحباطات كان آخرها أزمة مرسوم الأقدميّة الذي قوّض في طريقه العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ربما اكتشف رئيس التيار الوطني الحر متاخراً أنّه بالغ في تقديرموقعه لدى حلفائه وأخطأ في ظنه أنّ شروط الصفقة الرئاسية مستمرة وسارية المفعول على كلّ الإستحقاقات ومنها الإنتخابات. حزب الله مرّر بأسلوب لبق أكثر من رسالة تشدّد على أولويّة موقع الرئيس بري غير القابل للمساومة، كان آخرها على لسان الرئيس بري حين قال أنّ التحالف مع حزب الله يجب أن يمرّ عبره ، ولكن الوزير باسيل لم يتلقف الرسالة فوقع في محظور حلفائه….
لم يذهب الوزير جبران باسيل للإستعانة بالمادة 33 من الدستور وافتتاح عقد إستثنائي لمجلس النواب لمناقشة التعديلات على قانون الإنتخابات، ردّاً على الرفض الإستباقي للرئيس بري ، كما لم يذهب الرئيس بري لتكليف القضاء بإجراء اللازم رداً على ألفاظ الوزير باسيل النابيّة، ولم ينجح رئيس الحكومة بدوره في كسر الجليد ولعب دور الوسيط الناجح . الوساطات المبنيّة على الشعبويّة السياسية والردود المبنيّة على اللاوعي الجماهيري كانت سيدة الموقف، وهي النتاج الطبيعي لتهميش المؤسسات واستقلالية وتعاون السلطات بدل تكريس ثقافة اللجوء الى الدستور والقانون. وفي هذا المجال يبدو الإعتذار العلني المطلوب بدل الإساءة المُعلنة تكريساً لمنطق الفريق الأقوى في نظام رعوي، أهم بكثير من الإحتكام الى القضاء وتكريس حكم القانون في نظام سياسي.
لن يتغيّر شيئ في حياتنا السياسية ولن ينتصر منطق دولة القانون، كيفما انتهت أزمة الفيديو، وبصرف النظر عن مآل العلاقة بين الوزير جبران باسيل والرئيس نبيه بري . أزماتنا المعيشية والتنمويّة وهشاشة سياسيتنا الخارجية والفساد المستشري ومسألة التعيينات وتصاعد الحالة الطائفية والمذهبيّة لن يغيّر حالها اعتذار من هنا ووساطة من هناك. حقبة المرسوم التي نعيشها مستمرة كنموذج في التعبير عن نفسها بأشكال عديدة من الممارسات الإدارية والسياسية ليس أقلّها تعطيل نتائج مجلس الخدمة المدنيّة وإدارة ملفات النفايات والكهرباء والمدارس الخاصة، وهي مرشحة للإستمرار حتى نهاية العهد الرئاسي في ضوء تحالفات إنتخابية هدفها تحقيق أكثريات نيابية متشابهة وليس تطوير الحياة السياسية.
كيف يمكن الخروج من حقبة المرسوم وتحويل المشهد المقيت الذي شهده لبنان بالأمس على صعيد الفعل وردة الفعل الى مشهد وطني لا مذهبي؟ وكيف يمكن لأيّ فريق سياسي أن يمتلك الجرأة لخوض الإنتخابات النيابية تحت عنوان التطبيق الفعلي لإتفاق الطائف بكلّ مندرجاته وفي مقدّمتها الخروج من أزمة حقوق الطائفة ووجدان الطائفة الى حقوق المواطن وتكافؤ الفرص والوجدان الوطني؟ ألا تستشعر الطبقة السياسية في لبنان ضحالة دورها وعبئها على المواطنين ؟
بات اللبنانيون بحق مواطنين مع وقف التنفيذ في وطن قيد الدرس!!!
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات