IMLebanon

المواطن والإعمار

ليست السياسة استمراراً للحرب بوسائل أخرى، ولا الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى. كل منهما، عندما يحدث، هو انقطاع للآخر. الإعمار يدخل في خانة السياسة، والهدم يدخل في خانة الحرب.

يكثر الحديث في الفترة الأخيرة عن فرق لتحضير مخططات الإعمار السورية، في لبنان وجهات أخرى. يقام بهذا العمل قبل انتهاء الحرب الأهلية، بل هو قد بدأ منذ سنوات. يخشى أن يكون الإعمار جزءاً من الحرب الأهلية لا نقيضاً لها. لتثبيت نتائجها لا لإعادة الأمور إلى نصابها. ليس لدينا معلومات، لكن يحق لنا التساؤل:

÷ هل تتواكب مخططات الحرب الأهلية مع مخططات الإعمار؟

÷ هل سيشمل الإعمار البنى التحتية فقط أم المساكن والبنى الفوقية؟

÷ هل سيعود المهجرون؟ جميعهم أم قسم منهم؟

÷ هل سيعود المهجرون إلى الأرض التي خرجوا منها؟

÷ هل سيعود المهجرون إلى غير الأرض التي خرجوا منها؟

÷ هل سيتواكب الإعمار مع تغييرات ديمغرافية؟

إن تحضير البرامج والمخططات الإعمارية في ظروف الحرب الأهلية لا بد وأن يخضع لشروط هذه الحرب وأسبابها. عندها سيكون الإعمار استمراراً للحرب بما في ذلك إعادة التوزيع السكاني على أسس إثنية أو مذهبية أو كليهما. كل مخطط إعماري لا بد أن يخضع لمحددات يضعها أهل السياسة؛ وهؤلاء منخرطون في حرب أهلية.

عدد من الأسئلة يمكن طرحها حول التمويل ووسائله:

ـ هل سيكون التمويل تجارياً؟

ـ أم هناك مساعدات من دول عربية وغير عربية صديقة؟

ـ هل ستقوم بالإعمار والتمويل شركات تبغي الربح على أساس تجاري؟

ـ هل يمكن للشركات شراء الأرض والمباني؟

ـ هل سيتم الإعمار بطريقة BOT (ابني، ادر، سلم)؟

ـ هل سيتم التركيز على الصناعة والزراعة أكثر من المباني؟

ـ ما هو دور الشركات الأجنبية؟

ـ ما هو دور الدولة؟

ـ ما هو دور القطاع الخاص الداخلي؟ وما علاقاته بالخارج؟

أما مساهمة المواطن السوري فهي ضرورية وأساسية. شرط المساهمة هو المواطنة؛ أن يعتبر الفرد مواطناً لا من جملة الرعايا الذين عليهم تنفيذ ما يملى عليهم. من المؤكد أن الناس سوف يعملون في بناء بلدهم، لكن الفرق كبير بين أن يعملوا بحماسة وزخم وأن يعملوا متثاقلين؛ وهذا الأمر يعتمد على الوضع السياسي الذي يسمح بهذا الاتجاه أو ذاك. الحرب الأهلية تشحن النفوس بالضغائن والتشنجات. مرحلة الإعمار تتطلب وعياً تصالحياً سلمياً؛ نسياناً للمآسي؛ تتطلب تعاملاً من الفرد غير ما كان الأمر عليه؛ تتطلب علاقة جديدة مع السلطة، غير ما هو سائد في الحرب الأهلية، وغير ما كان سائداً قبلها.

أولويات الحرب الأهلية غير أولويات مرحلة الإعمار. لا قيمة للإنسان والمجتمع في الحرب الأهلية. العكس صحيح في مرحلة الإعمار.

ما هي الشروط التي يتوجب على السلطة توفيرها على هذه الحالة الثانية؟

تجربة العراق في هذا المضمار لا تبشر بالخير.

هل سينتهي المجتمع إلى مجرد مجموعة عمال لدى الشركات المحلية والأجنبية؟ أو المؤسسات التي لا تبغي الربح، إن وجدت؟ وهل ستكون أجورهم كافية لتوفير ما يكفي لشراء ما بُني لهم؟ أم أنهم سيضطرون إلى بيع عقاراتهم فيزداد التركيز العقاري، كما التركيز المالي بيد القلة؟ في كل مراحل الإعمار، في كل بلدان العالم، في أعقاب الحرب، تجني الشركات الرأسمالية أرباحاً كبرى. يكون ذلك على حساب الفقراء، لأنه بالأساس من نتاج عملهم الذي سلخ منهم.

كل إعمار سوي يفترض عودة الناس إلى المناطق التي خرجوا منها. أما إذا كانت هناك مشاريع هندسية اجتماعية تعني إعادة تركيب المجتمع والجغرافيا، فالأمر مختلف. عند ذلك يصير الحديث عن سايكس ـ بيكو باهتاً. يصير سايكس بيكو الداخلي أشد وأدهى.

ليس الإعمار عملاً تقنياً (هندسياً) وحسب. هو عمل سياسي من الطراز الأول. أسئلة كثيرة لا يجاب عليها أو يصعب الجواب عليها، لأن السياسة التي سيُعمل بموجبها في ما بعد الحرب غير معروفة، أو لا يُراد لها أن تعرف.